للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: أي: لم يُخرجهم منه، كما يقال: تركَه في الدار؛ أي: لم يُخرجْه منها، وهذا تأويل المعتزلة، فإنهم لا يقولون بخلقِ أفعال البشر من اللَّه تعالى.

والصحيح من التأويل عند أهل السنَّة والجماعة: {وَتَرَكَهُمْ} أي: جعَلهم في الظلمات، وهو كقوله: {فَتَرَكَهُ صَلْدًا} [البقرة: ٢٦٤]؛ أي: جعَله صلدًا.

وقوله تعالى: {لَا يُبْصِرُونَ} أي: لا يبصرون ما حولهم (١) لذهابِ النور.

ثم إنما قال: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} بالجمع، مع أن المذكور في أول الآية: {الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} وهو واحدٌ، لِمَا مرَّ أن المُوقِد واحدٌ والمصطَلُون (٢) جمعٌ.

أو أُريد بالواحد الجمعُ من الوجه الذي مرَّ، وهو كقوله: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: ٣٣]، وقولِه تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} ثم في آخره: {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: ٦٢].

ومعنى الآية في قول ابن عباسٍ وقتادةَ والضحاكِ ومقاتلٍ والسدِّي: مثلُ المنافقين في كفرهم ونِفاقهم كمثلِ رجلٍ أَوقد نارًا في ليلةٍ مظلمةٍ في مَفازةٍ (٣) واستضاء بها واستَدفأ بها، ورأى ما حوله واتَّقى ما حَذر وخاف فأمن، فبينا هو كذلك إذ طَفِئتْ نارُه فبقي في ظلمةٍ خائفًا متحيِّرًا، فكذلك المنافقون إذا أظهروا


(١) في (ر) و (ف): "حوله".
(٢) في (أ): "والمبطلون".
(٣) في (ر): "مغارة".