للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال اللَّه تعالى: {خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} فلما أراد أن يتناولها لفَّ يده بثوبه من مخافتها، فقال اللَّه تعالى: اكشف عن يدك ثم أدخلها بين أضراسها وأنيابها، فإن القدرة التي كوَّنتْها كما ترى هي تصرِفُ عنك ما تُحاذر منها، وتقيك شرور (١) خلقي، فكشف موسى عليه السلام عن يده ثم أدخلها بين لَحييها حتى وجد وخز أضراسها، فلما قبضها إليه تحولت عصًا كما كانت، ويده في موضعها المعتاد بين الشعبتين.

فقال اللَّه تعالى له: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [النمل: ١٢]؛ أي: من غيرِ برَصٍ، فأدخلها ثم أخرجها عليها نورٌ يلتهب ويكلُّ عنه البصر، فأنِس موسى وسكَن وذهب عنه الرعب، فقال اللَّه تعالى له: اسمع قولي وارْعَ عهدي واحفظ وصيتي، فإني وقَفْتك (٢) اليوم موقفًا لا أجعل لأحد من خلقي سلطانًا عليك، ولا ينبغي لبشر من بعدك أن يقوم مقامك مني، قرَّبتك حتى سمعت كلامي.

وعلى موسى عليه السلام يومئذٍ جُبَّةٌ من صوفٍ ومِدْرعةٌ من صوفٍ وإزارٌ من صوفٍ وقلنسوةٌ من صوفٍ ونعلان، واللَّه تعالى يكلِّمه ويَعهد إليه، ويقول له: انطلق برسالتي فإنك بعيني، وإن معك يدي وبصري (٣)، وإني ألبستك جبةً من سلطاني تستكملُ بها القوة في أمري، فأنت جند عظيم بعثتُك إلى خلقٍ ضعيف (٤) من خَلقي، بَطِر نعمتي وأمِن مكري، غرَّته الدنيا عني حتى جحد حقِّي وأنكر ربوبيتي وعُبِد دوني، وزعم أنه لا يَعرفني، وإني أحلف بي اليوم -وأيُّ شيء مثلي- أنْ لولا الحجةُ


(١) في (ر): "وتكفيك شر".
(٢) في (ر): "أوقفك".
(٣) في (ف) و (أ): "ونصرتي".
(٤) "ضعيف" زيادة من (أ).