للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قِبَل له بها فعلتُ، ولكن ليعلمَ هذا العبد الضعيف الذي أعجبته نفسُه وجموعه أن الفئة القليلة -ولا قليل مني- تغلب الفئة الكثيرة بإذني، فلا يعجبنَّكما زينتُه ولا ما متِّع به، ولا تمدَّا إلى ذلك أعينَكما فإنها زهرةُ الحياة الدنيا، ولو شئتُ لأزيِّنكما من الدنيا بزينةٍ يعلم فرعون لو يَنظر إليها أن مقدرته تعجز عن بعضِ ما أوتيتُما فعلتُ، ولكني أرغبُ بكما عن ذلك وأَزْويه عنكما، وكذلك أفعل بأوليائي، إني لَأَذُودهم عن نعمة الدنيا ورخائها (١) كما يذودُ الراعي الشفيقُ غنمه من مراعي الهلكة، وأجنِّبهم عن ذلك كما يجنِّب الراعي الشفيقُ إبله عن مَبارك الغرَّة، وما ذلك لهوانهم عليَّ، ولكن ليستكمِلوا كرامتي.

اعلم يا موسى أنه لم يتصنَّع لي المتصنِّعون بمثل الزهد في الدنيا، وأنه لم يتقرَّب إليَّ المتقربون بمثل الورع عما حرَّمت، وأنه لم يتعبَّد العابدون بمثل البكاء من خوفي.

قال وهب: فانطلق موسى إلى فرعون وشيَّعته الملائكة يصافحونه، وخلَّف موسى أهلَه في الموضع الذي تركهم فيه (٢)، فلم يزالوا مقيمين حتى مرَّ بهم راعٍ من أهل مدين فعرفهم، فحملهم إلى شعيبٍ فمكثوا عنده حتى بلَغهم خبر موسى بعدما جاوز ببني إسرائيل البحر وغرق فرعون وقومه، فبعث بهم شعيب إلى موسى بمصر.

ثم مضى موسى صلوات اللَّه عليه منطلقًا على وجهه لا علم له بالطريق، وليس معه زادٌ ولا حمولةٌ ولا صحبة ولا شيء إلا العصا، يظلُّ صائمًا ويبيت طاويًا، يصيب من ثمار الأرض ومن الصيد شيئًا قليلًا، حتى ورد أرض مصر.

فأوحى اللَّه تعالى إلى هارون عليه السلام يبشره به، ويخبره أنه قادم عليه وقد


(١) في (ر): "ورحابها"، وفي (ف): "ورجائها".
(٢) "فيه" ليست في (أ) و (ف).