للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أنه لما (١) نظر في المصحف قال: أَرى فيه لحنًا وستُقِيمُه العرب بألسنتها (٢).


(١) "لما" ليست في (أ) و (ف).
(٢) رواه ابن أبي داود في "المصاحف" (ص: ١٢١ و ١٢٢)، وجاء عنده في رواية بلفظ: (. . . شيئًا من لحن. . .).
وقد تكلم كثير من العلماء على هذا الخبر سندًا ومتنًا، وعلى رأسهم الباقلاني في "الانتصار للقرآن" (٢/ ٥٣٢) وما بعدها، فأطال في تفنيده ورده من حيث المتن والسند، ثم قال في توجيهه على فرض صحته: (إنهُ يمكنُ -إن كانت هذه الرِّواية صحيحةً- أن يكونَ عثمانُ أرادَ بقوله: "أرى فيه لحنًا وستقيمه العربُ بألسنتِها"، أن فيه لحنًا في لغةِ بعضِ العربِ وعلى مذهَب قبيلةٍ منهم لا يتكلمونَ بتلك الكلماتِ على الوَجهِ الذي أُثبِتَ في المصحف، وأن من لَم يألف الكلامَ بتلك الحروفِ على ذلكَ الوجهِ اعتقدَ أنه لحن وأنه لا يُقرأ به).
وللآلوسي رحمه اللَّه كلامٌ حسنٌ في رده وبيان حقيقته، حيث قال في "روح المعاني" (١/ ١٦١): وأما قول عثمان: "إن في القرآن لحنًا. . . إلخ" فهو مشكل جدًّا؛ إذ كيف يُظن بالصحابة -أولًا- اللحن في الكلام فضلًا عن القرآن وهم هم؟ ثم كيف يظن بهم -ثانيًا- اجتماعهم على الخطأ وكتابته؛ ثم كيف يظن بهم -ثالثًا- عدم التنبه والرجوع؟ ثم كيف يظن بعثمان عدم تغييره؟ وكيف يتركه لتقيمه العرب؟ وإذا كان الذين تولوا جمعه لم يقيموه وهم الخيار فكيف يقيمه غيرهم؟ فلعمري إن هذا مما يستحيل عقلًا وشرعًا وعادة. فالحق أَنَّ ذلك لا يصح عن عثمان، والخبر ضعيف مضطرب منقطع. وقد أجابوا عنه بأجوبة لا أراها تقابل مؤنة نقلها، والذي أراه أن رواة هذا الخبر سمعوا شيئًا ولم يتقنوه فحرَّفوه، فلزم الإشكالُ وحلُّ الداء العضال، وهو ما روي بالسند عن عبد اللَّه بن عبد الأعلى قال: لما فُرخ من المصحف أُتي به عثمان فنظر فيه فقال: "أحسنتم وأجملتم، أرى شيئًا سنقيمه بألسنتنا"، وهذا لا إشكال فيه، لأنه عُرض عليه عقيب الفراخ من كتابته فرأى فيه ما كتب على غير لسان قريش، ثم وفى بذلك عند العرض والتقويم ولم يترك فيه شيئًا، ولا أحسبك في مرية من ذلك. اهـ.
قلت: وهذا أكثره مأخوذ عن السيوطي في "الإتقان" (٢/ ٣٢٢)، وفيه من الزيادة ما له ارتباط بما ذكره المؤلف أعلاه وردٌّ عليه، وهو قوله نقلًا عن ابن الأنباري: ومن زعم أن عثمان أراد بقوله: "أرى فيه لحنًا": أرى في خطه لحنًا إذا أقمناه بألسنتنا كان لحن الخط غير مفسد ولا محرف من جهة تحريف =