للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دخانها، فملأ كلَّ شيء حتى غَشِيَ مدينتهم وما حولها، وأظلم عليهم، وسُمع من النار أمثالُ وقع الحديد على الحديد، وتطايَرَ شررُها كالصخر، وكان يسمع وهجُها على مسيرة ليلة، ولم يقرب شيء منها إلا احترق بحرِّها.

ثم بنوا بنيانًا شامخًا ونصبوا فوقه منجنيقًا، ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في المنجنيق فقذفوا به في النار، فلما وقع فيها إبراهيم وهي كالجبال أطفأها اللَّه تعالى، فخمدت ونشَّت نشيشَ النار التي يصبُّ عليها الماء.

قال وهب: فبلغني أن السماء والجبال والبحار وما فيها من الخلق ضجُّوا إلى اللَّه تعالى ضجةً واحدة -إلا الثقلين- قالوا: ربنا ليس في أرضك مَن (١) يعبدك ويوحِّدك غيرَ إبراهيم حُرق بالنار من أجلك فأذن لنا في نصرته، فأوحى اللَّه تعالى إليهن: إن استغاث بشيء منكن فلْيَنْصُره ولْيُعِنْه، وإن استغاث بشيء من خلقي فلْيُعِنْه ولْيَنْصُرنه، وإن دعاني فأنا وليُّه وناصرُه، وكفى بي وليًّا وناصرًا أمنعه منهم وأَحُول بينه وبينهم (٢).

وقال محمد بن إسحاق: قيَّدوه ورموا به من القرارة (٣) من مضربٍ شاسع، فاستقبله جبريل في الهواء فقال له: يا إبراهيم، ألك حاجة؟ قال: أمَّا إليك فلا، فأتاه ميكائيل وقال: إن أردتَ أخمدتُ النار فإن خزائن الأمطار والمياه بيدي، قال: لا أريد، فأتاه شمسائيل وهو خازن الريح فقال: إن شئت طيَّرتُ النار في الهواء، قال: لا حاجة لي إليكم؛ حسبي اللَّه ونعم الوكيل، فقال جبريل: إن لم تسألنا فاسأل اللَّه، فقال: حسبي من سؤالي علمُه بحالي (٤).


(١) في (أ): "أحد".
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٦/ ٢٨١) عن محمد بن إسحاق.
(٣) القرارة: الأرض. ووقع في (ر) و (ف): "العرارة"، ولعله تحريف. وفي المصادر: (رموه في المنجنيق. . .).
(٤) ذكره الثعلبي في "عراض المجالس" (ص: ١١٦) عن المعتمر عن أبي بن كعب عن أرقم، والبغوي =