للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جاء على صورة معلِّم يصيح ويَنُوح وأخبره بما صار إليه أولاده، فأجاب كذلك، فتحير إبليس وقال: إن أيوب يرى سلامةَ نفسه فيَهون عليه هلاك ماله وولده، ولو سلَّطني اللَّه تعالى على جسده لظهر منه ما أقول، فسلَّطه اللَّه على جسده، فجاء وهو ساجد فدخل تحت وجهه ونفخ في أنفه نفخةً من لهب النار اشتعل منها جسده واسودَّ وجهه وتمعَّط شعره، ونضح (١) دماغه ومخُّه، وظهر في جسده ثآليل مثل أليات الشاة، فاحتكَّ، فجعل يحكُّها بأظفاره وبالعظم والخزف، فوقعت فيه الأكلة والدُّود، وسال منه الصديد، وتأذى به الجيران، فبنوا له عريشًا ونقلوه إليه، فلبث فيه ثلاث سنين في أشد الجهد، وقطعه القريب والبعيد، وكانت امرأته تدور في القرية وتعمل للناس وتجيء بقُوْته، ولم تجد عملًا يومًا فباعت ذؤابتيها برغيفين فأتته بهما، فقال لها: أين ذؤابتاك؟ قالت: بعتهما برغيفين (٢)، فحينئذ قال: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ}.

وقال بعضهم: ضعُف عن العبادة فقال: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ} كذلك.

وقيل: إنما قال ذلك لأن الشيطان تمثَّل لهم وقال لهم: لا تستعملوا هذه المرأة فإنها تمسُّ بيدها هذا المريض فتُعْدي، فلم يستعملوها، فلم تجد شيئًا، فرجعت إليه بغير شيء فأخبرته بذلك فقال ذلك.

وقيل: تراءى لها وقال: أنا طبيب فاسقيه خمرًا يبرأ، فذكرت له ذلك فقال ذلك.

وقيل: إنه تمثَّل -أي: إبليس (٣) - لأيوب وقال: إنها أخذت في فاحشة فقطعت ذؤابتاها لذلك، فاهتاج لذلك فقال ذلك.


(١) في (ف): "ونضج".
(٢) رواه بنحوه عن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما أحمد في "الزهد" وابن أبي حاتم وابن عساكر؛ كما في "الدر المنثور" (٧/ ١٩٢). ورواه الطبري في "تفسيره" (١٦/ ٣٥١ - ٣٥٣) عن وهب بن منبه، و (١٦/ ٣٦٠ - ٣٦٣) عن الحسن.
(٣) في (أ): "مثل"، وفي (ف): "تمثل"، بدل: "تمثل أي: إبليس".