للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مبهوتين، منهم مَن يقول: ما كان أيوب يعبد شيئًا، ولا كان إلا (١) في غرور، ولو كان له ربٌّ يقدر على أن يمنع شيئًا لمنع وليَّه، ومنهم مَن يقول: بل ربُّه الذي عبده وتوكَّل عليه هو الذي فعل به ليَفْجَع به أحبَّاءه ويُشمت به أعداءه (٢)، ومنهم مَن يقول: بل كان أيوب مُرائيًا، ولو كان صادقًا ما جازاه اللَّه تعالى هذا الجزاء، فقال أيوب عليه السلام: الحمد للَّه حين أعطى وحين أخذ، والحمد للَّه حين أعار، والحمد للَّه حين نزع عاريَّته، خرجتُ من بطن أمي عاريًا وأُردُّ إلى تراب كذلك، وأصير إلى اللَّه، ولو علم اللَّه فيك خيرًا لقبض روحك مع تلك الأرواح فاستَشهدك وأجَرَني فيك، ولكنه علم منك شرًّا، فارجع عني مذمومًا مدحورًا.

فرجع إبليس إلى أصحابه في شرِّ حال، واستشارهم، فقال عفريت آخر: أنا أصيح صيحة لا يسمع فيها (٣) ذو روح إلا مات، فسلطه على الغنم فصاح بها فماتت ومات رعاتها، وعاد هو إلى أيوب وقال ما قال في المرة الأولى، وأجاب بما أجاب، ورجع إلى جنوده وأخبر آخرُ إبليسَ (٤) أنه يصير ريحًا تنسف كلَّ شيء، فسلطه اللَّه على الحرَّاثين والفدادين فأهلك الحرثَ والحراثين (٥)، وعاد إبليس بالقصة كالأول، فسأل اللَّه تعالى أن يسلِّطه على ولده ففعل، فأتى قصور أولاده وهم رجالٌ ونساء، وكهولٌ وشباب، ومُردٌ وأطفال، ومراضعُ وحواضن والمعلِّمون، فزلزلها حتى تداعت من قواعدها، ثم شدخهم بالخشب والجندل ورفع القصور فقلبها، ثم


(١) في (ر): "وإنما كان"، بدل: "ولا كان إلا".
(٢) في (ف): "ليحزن به أحباؤه ويشمت به أعداؤه".
(٣) في (ف): "لا يبقى بها"، وفي (ر): "لا يبقى به".
(٤) "إبليس" زيادة من (ف).
(٥) في (أ): "فأهلك الحروث"، وفي (ف): "فأهلك الحروث والحراتين".