للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَأَبْصَارِهِمْ} عقوبةً لهم، كما ذهب بسمع قلوبهم وأبصارها خذلانًا لهم، إنه قديرٌ على ما أراد.

وقال (١) الربيعُ بن أنسٍ وابنُ جُريجٍ ومجاهد والضحَّاك، والكلبيُّ عن ابن عباس: هذا مثلٌ لإقرارهم بألسنتهم وإنكارِهم بقلوبهم؛ أي: مَثَلُ المنافق في الإيمان كمسافرٍ في المَفازةِ في ليلةٍ مظلِمةٍ أصابه مطرٌ، شبَّه الإيمانَ بالمطر لأنه به حياةُ الملوب، وفيه ظلماتٌ في قلبه: ظلمةُ الكفر، وعلى لسانه نورُ الأقدار كالبرق، وهو خائف بين ذلك كالخائف من الرعد {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} لا يتفكرون بقلوبهم إلى دليلِ الرشد ومعجزاتِ الرسول، {يَكَادُ الْبَرْقُ}؛ أي: تلك الدلائل تَذهب بظلمةِ قلبه وغطاءِ بصره وإن لم يتفكَّروا فيها.

وقيل: يكاد نورُ إيمانِ المنافق بلسانه يخفَى على المؤمنين حالُه {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} أي: ما داموا في الحيرة (٢) يتكلَّمون به وينتفعون به، وإذا ماتوا بقُوا في ظلمة القبر وعقوبةِ الحشر، ولو شاء اللَّه لأهلك المنافق للحال ولا يُمهَلوا إلى الموت؛ لأنه قدير على كل شيء.

وقيل: هذا مَثَلُ خوف المنافق وتحيُّرِه فإن ليلة المطر والرعد والبرق والظلمات في غايةِ الهول والإيحاش، ومعنى جعلِ الأصابع في الآذان حذَرَ الموت: خوفُ المنافق أن يُطَّلعَ على سرِّه فيُقتلَ أو يُنفى {وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ}: قادرٌ على إنزال نقمته بهم {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} يكاد خوفُ المنافق يهلكُه {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} أي: كلما ظهرت غلبةُ أحد الفريقين تابَعوهم، وإذا انقلب الأمر انقلبوا، ولو


(١) من هنا وقع سقط في (ر) و (ف) بمقدار صفحتين، وسنشير إلى نهايته في موضعه.
(٢) كذا في (أ)، ولعل الصواب: "في الحياة".