للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شاء اللَّه لحقَّق ما يخافه صاحبُ الصيِّب لاختطاف (١) السمع والبصر وليس ترك اللَّه المنافق على هذا التذبذُب لعجزه، إنه على كل شيء قدير.

وقيل: هذا مثلُ لقاءِ المنافقين المؤمنينَ بالإيمان والكفارَ بالكفر، قال: مَثَلُهم كمَثَلِ الرَّجلِ في ظلمات الليلِ والسحاب والمطر، وفي المطرِ رعدٌ وبرقٌ، فقد اجتمع نورٌ وظلمةٌ وخوفٌ، فالنورُ ما يُظهره من الإيمان، والظلمةُ ما يضمِرُه من الكفر، والخوفُ منهم ظهورُ أمرِهم نفاق المنافقين وينكشف لهم أسرارهم {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ}: كلما تكلَّموا بالإيمان كانوا سالمين مع المؤمنين، وإذا دخلوا (٢) إلى شياطينهم وقالوا: {إِنَّا مَعَكُمْ}، وقعوا في ظلمات الضلال، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ} لأزال أسباب التحرُّز عنهم وواقَعَ بهم المؤمنين، كما لو شاء لذهب بسمع صاحب الصيِّب وبصرِه من غيرِ صاعقةٍ ورعدٍ وبرقٍ {وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} عالمٌ بهم مالكٌ لهم، وهم في قبضته، فلا مَخْلَصَ ولا مَهْربَ لهم، وهو على كلِّ شيء قدير.

وقال قتادةُ وابنُ جُريج: هذا مَثَلٌ لجبن المنافق وخوفهِ من الموت إذا دُعي إلى القتال، وفي الجهاد إحياءُ الدِّين كما أن المطر حياةُ الأرض وأهلِها، فكانوا إذا دُعوا إليه قالوا: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} قال تعالى: {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} الآية [الأحزاب: ١٣] وقال: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} [النساء: ١٤١] وإذا لم يرغبوا في الجهاد لأنهم كانوا لا يصدِّقون النبيَّ عليه السلام في قوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: ٣٣] وفي قوله: {وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة: ٤٠]، ولا يصدِّقون بالبعث وما أَعَدَّ اللَّه للشهداء، {يَكَادُ الْبَرْقُ} أي: عزُّ الإسلام، فظهورُه مُلجِئةٌ إلى الإيمان {كُلَّمَا أَضَاءَ}


(١) كذا في (أ)، ولعل الصواب: "باختطاف".
(٢) كذا في (أ)، ولعل الصواب: "خلوا".