للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ هَلِ الْمُقَدَّرُ هُوَ الصَّيْدُ؟ أَوْ مِثْلُهُ مِنَ النَّعَمِ إِذَا قُدِّرَ بِالطَّعَامِ؟ فَمَنْ قَالَ: الْمُقَدَّرُ هُوَ الصَّيْدُ - قَالَ: لِأَنَّهُ الَّذِي لَمَّا لَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ رَجَعَ إِلَى تَقْدِيرِهِ بِالطَّعَامِ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُقَدَّرَ هُوَ الْوَاجِبُ مِنَ النَّعَمِ - قَالَ: لِأَنَّ الشَّيْءَ إِنَّمَا تُقَدَّرُ قِيمَتُهُ إِذَا عُدِمَ بِتَقْدِيرِ مِثْلِهِ، أَعْنِي: شَبِيهَهُ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّ الْآيَةَ عَلَى التَّخْيِيرِ - فَإِنَّهُ الْتَفَتَ إِلَى حَرْفِ (أَوْ) ؛ إِذْ كَانَ مُقْتَضَاهَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ التَّخْيِيرَ. وَأَمَّا مَنْ نَظَرَ إِلَى تَرْتِيبِ الْكَفَّارَاتِ فِي ذَلِكَ فَشَبَهُهَا فِي الْكَفَّارَاتِ الَّتِي فِيهَا التَّرْتِيبُ بِاتِّفَاقٍ، وَهِيَ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي هَلْ يُسْتَأْنَفُ الْحُكْمُ فِي الصَّيْدِ الْوَاحِدِ الَّذِي قَدْ وَقَعَ الْحُكْمُ فِيهِ مِنَ الصَّحَابَةِ - فَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ هُوَ هَلِ الْحُكْمُ شَرْعِيٌّ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى؟ أَمْ هَذَا مَعْقُولُ الْمَعْنَى؟ فَمَنْ قَالَ: هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى - قَالَ: مَا قَدْ حُكِمَ فِيهِ فَلَيْسَ يُوجَدُ شَيْءٌ أَشْبَهُ بِهِ مِنْهُ، مِثْلُ النَّعَامَةِ فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ أَشْبَهُ بِهَا مِنَ الْبَدَنَةِ، فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ الْحُكْمِ. وَمَنْ قَالَ: هُوَ عِبَادَةٌ - قَالَ: يُعَادُ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْجَمَاعَةِ يَشْتَرِكُونَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ الْوَاحِدِ فَسَبَبُهُ هَلِ الْجَزَاءُ مُوجِبُهُ هُوَ التَّعَدِّي فَقَطْ؟ أَوِ التَّعَدِّي عَلَى جُمْلَةِ الصَّيْدِ؟ فَمَنْ قَالَ: التَّعَدِّي فَقَطْ - أَوْجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَمَاعَةِ الْقَاتِلَةِ لِلصَّيْدِ جَزَاءً. وَمَنْ قَالَ: التَّعَدِّي عَلَى جُمْلَةِ الصَّيْدِ - قَالَ: عَلَيْهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ شَبِيهَةٌ بِالْقِصَاصِ فِي النِّصَابِ فِي السَّرِقَةِ، وَفِي الْقِصَاصِ فِي الْأَعْضَاءِ، وَفِي الْأَنْفُسِ. وَسَتَأْتِي فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَتَفْرِيقُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الْمُحْرِمِينَ وَبَيْنَ غَيْرِ الْمُحْرِمِينَ الْقَاتِلِينَ فِي الْحَرَمِ عَلَى جِهَةِ التَّغْلِيظِ عَلَى الْمُحْرِمِينَ، وَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَمَاعَةِ جَزَاءً فَإِنَّمَا نَظَرَ إِلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ سَقَطَ عَنْهُمُ الْجَزَاءُ جُمْلَةً لَكَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيدَ فِي الْحَرَمِ صَادَ فِي جَمَاعَةٍ. وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّ الْجَزَاءَ هُوَ كَفَّارَةٌ لِلْإِثْمِ، فَيُشْبِهُ أَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ إِثْمُ قَتْلِ الصَّيْدِ بِالِاشْتِرَاكِ فِيهِ، فَيَجِبُ أَلَّا يَتَبَعَّضَ الْجَزَاءُ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي هَلْ يَكُونُ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ قَاتِلَ الصَّيْدِ فَالسَّبَبُ فِيهِ مُعَارَضَةُ مَفْهُومِ الظَّاهِرِ؛ لِمَفْهُومِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ فِي الشَّرْعِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْحَكَمَيْنِ إِلَّا الْعَدَالَةَ، فَيَجِبُ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا أَنْ يَجُوزَ الْحُكْمُ مِمَّنْ يُوجَدُ فِيهِ هَذَا الشَّرْطُ، سَوَاءٌ كَانَ قَاتِلَ الصَّيْدِ أَوْ غَيْرَ قَاتِلٍ. وَأَمَّا مَفْهُومُ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ فِي الشَّرْعِ فَهُوَ أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ حَاكِمًا عَلَى نَفْسِهِ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْمَوْضِعِ فَسَبَبُهُ الْإِطْلَاقُ، أَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ مَوْضِعٌ. فَمَنْ شَبَّهَهُ بِالزَّكَاةِ فِي أَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَسَاكِينِ فَقَالَ: لَا يُنْقَلُ مِنْ مَوْضِعِهِ. وَأَمَّا مَنْ رَأَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الرِّفْقُ بِمَسَاكِينِ مَكَّةَ قَالَ: لَا يُطْعِمُ إِلَّا مَسَاكِينَ مَكَّةَ. وَمَنِ اعْتَمَدَ ظَاهِرَ الْإِطْلَاقِ قَالَ: يُطْعِمُ حَيْثُ شَاءَ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْحَلَالِ يَقْتُلُ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ هَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؟ أَمْ لَا؟ فَسَبَبُهُ: هَلْ يُقَاسُ فِي الْكَفَّارَاتِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ؟ وَهَلِ الْقِيَاسُ أَصْلٌ مَنْ أُصُولِ الشَّرْعِ عِنْدَ الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ؟ فَأَهْلُ الظَّاهِرِ يَنْفُونَ قِيَاسَ قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ عَلَى الْمُحْرِمِ لِمَنْعِهِمُ الْقِيَاسَ فِي الشَّرْعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>