للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ إِجْمَاعًا، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الطَّيْرِ شَاةٌ.

وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ، فَقَالَ مَالِكٌ: أَرَى فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ عُشْرُ ثَمَنِ الْبَدَنَةِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْقِيمَةِ، وَوَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ فِيهَا فَرْخٌ مَيِّتٌ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، أَعْنِي: جَزَاءَ النَّعَامَةِ. وَاشْتَرَطَ أَبُو ثَوْرٍ فِي ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ حَيًّا ثُمَّ يَمُوتُ.

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَضَى فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ بِأَنْ يُرْسِلَ الْفَحْلُ عَلَى الْإِبِلِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ لَقَاحُهَا سَمَّيْتَ مَا أَصَبْتَ مِنَ الْبَيْضِ. فَقُلْتُ: وَهَذَا هَدْيٌ. ثُمَّ لَيْسَ عَلَيْكَ ضَمَانٌ مَا فَسَدَ مِنَ الْحَمْلِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: مَنْ كَانَتْ لَهُ إِبِلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَإِلَّا فَفِي كُلِّ بَيْضَةٍ دِرْهَمَانِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمِ ثَمَنُهُ» مِنْ وَجْهٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ فِيهِ الْقِيمَةَ، قَالَ: وَفِيهِ أَثَرٌ ضَعِيفٌ. وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْجَرَادَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ فِيهِ الْجَزَاءُ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الْجَرَادِ قِيمَتُهُ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ مِنْ حَفْنَةِ طَعَامٍ أَوْ تَمْرَةٍ فَهُوَ لَهُ قِيمَةٌ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ فِيهَا تَمْرَةً مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ رَبِيعَةُ: فِيهَا صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ، وَهُوَ شَاذٌّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ فِيهَا شُوَيْهَةً، وَهُوَ أَيْضًا شَاذٌّ.

فَهَذِهِ هِيَ مَشْهُورَاتُ مَا اتَّفَقُوا عَلَى الْجَزَاءِ فِيهِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا هُوَ الْجَزَاءُ فِيهِ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِيمَا هُوَ صَيْدٌ مِمَّا لَيْسَ بِصَيْدٍ، وَفِيمَا هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ مِمَّا لَيْسَ مِنْهُ - فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ صَيْدَ الْبَرِّ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُحْرِمِ إِلَّا الْخَمْسَ الْفَوَاسِقَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَلْحَقُ بِهِ مِمَّا لَيْسَ يَلْحَقُ. وَكَذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ حَلَالًا كُلَّهُ لِلْمُحْرِمِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ مِمَّا لَيْسَ مِنْهُ. وَهَذَا كُلُّهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦] .

<<  <  ج: ص:  >  >>