وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَأَنَّهَا ثَلَاثَةٌ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: «يَوْمُ النَّحْرِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ» . وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: يَوْمُ النَّحْرِ فَقَطْ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَعْلُومَاتِ هِيَ الْعَشْرُ الْأُوَلُ. قَالَ: وَإِذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ قَدِ انْعَقَدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ مِنْهَا إِلَّا فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ، وَهِيَ مَحَلٌّ الذَّبْحِ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا ; فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ الذَّبْحُ إِنَّمَا هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ فَقَطْ.
وأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ اخْتِلَافُهُمْ فِي اللَّيَالِي الَّتِي تَتَخَلَّلُ أَيَّامَ النَّحْرِ، فَذَهَبَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ فِي لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَا النَّحْرِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: الِاشْتِرَاكُ الَّذِي فِي اسْمِ الْيَوْمِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَرَّةً يُطْلِقُهُ الْعَرَبُ عَلَى النَّهَارِ وَاللَّيْلَةِ، مِثْلَ قَوْله تَعَالَى: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [هود: ٦٥] . وَمَرَّةً يُطْلِقُهُ عَلَى الْأَيَّامِ دُونَ اللَّيَالِي، مِثْلَ قَوْله تَعَالَى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: ٧] .
فَمَنْ جَعَلَ اسْمَ الْيَوْمِ يَتَنَاوَلُ اللَّيْلَ مَعَ النَّهَارِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: ٢٨] قَالَ: يَجُوزُ الذَّبْحُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ. وَمَنْ قَالَ: لَيْسَ يَتَنَاوَلُ اسْمُ الْيَوْمِ اللَّيْلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ وَلَا النَّحْرُ بِاللَّيْلِ.
وَالنَّظَرُ هَلِ اسْمُ الْيَوْمِ أَظْهَرُ فِي أَحَدِهِمَا مِنَ الثَّانِي، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ أَظْهَرُ فِي النَّهَارِ مِنْهُ فِي اللَّيْلِ، لَكِنْ إِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ دَلَالَتَهُ فِي الْآيَةِ هِيَ عَلَى النَّهَارِ فَقَطْ لَمْ يُمْنَعِ الذَّبْحُ بِاللَّيْلِ إِلَّا بِنَحْوٍ ضَعِيفٍ مِنْ إِيجَابِ دَلِيلِ الْخِطَابِ، وَهُوَ تَعْلِيقُ ضِدِّ الْحُكْمِ بِضِدِّ مَفْهُومِ الِاسْمِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ أَنْوَاعِ الْخِطَابِ هُوَ مِنْ أَضْعَفِهَا، حَتَّى إِنَّهُمْ قَالُوا: مَا قَالَ بِهِ أَحَدُ الْمُتَكَلِّمِينَ إِلَّا الدَّقَّاقُ فَقَطْ، إِلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: إِنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْحَظْرُ فِي الذَّبْحِ، وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُهُ بِالنَّهَارِ، فَعَلَى مَنْ جَوَّزَهُ بِاللَّيْلِ الدَّلِيلُ.
وَأَمَّا الذَّابِحُ: فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اسْتَحَبُّوا أَنْ يَكُونَ الْمُضَحِّي هُوَ الَّذِي يَلِي ذَبْحَ أُضْحِيَّتِهِ بِيَدِهِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوَّكِلَ غَيْرَهُ عَلَى الذَّبْحِ.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ تَجُوزُ الضَّحِيَّةُ إِنْ ذَبَحَهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ: فَقِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَدِيقًا أَوْ وَلَدًا أَوْ أَجْنَبِيًّا أَعْنِي: أَنَّهُ يَجُوزُ إِنْ كَانَ صَدِيقًا أَوْ وَلَدًا، وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمَذْهَبُ فِيمَا أَحْسَبُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا أَنَّهَا لَا تَجُوزُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute