فَقَالَ: هو الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» .
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمُوَافِقُ لِلْعُمُومِ مُوَافَقَةً جُزْئِيَّةً، فَمَا رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَا أَلْقَى الْبَحْرُ، أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ، وَمَا طَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ أَضْعَفُ عِنْدَهُمْ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ. . وَسَبَبُ ضِعْفِ حَدِيثِ مَالِكٍ أَنَّ فِي رُوَاتِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ، وَأَنَّهُ وَرَدَ مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: بَلْ رُوَاتُهُ مَعْرُوفُونَ، وَقَدْ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ. وَسَبَبُ ضَعْفِ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ الثِّقَاتِ أَوْقَفُوهُ عَلَى جَابِرٍ.
فَمَنْ رَجَّحَ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ لِشَهَادَةِ عُمُومِ الْكِتَابِ لَهُ - لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا جَزَرَ عَنْهُ الْبَحْرُ؛ إِذْ لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ تَعَارُضٌ. وَمَنْ رَجَّحَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا فَمَصِيرًا إِلَى تَرْجِيحِ عُمُومِ الْكِتَابِ. وَبِالْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَبِالْمَنْعِ مُطْلَقًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ قَوْمٌ غَيْرُ هَؤُلَاءِ بِالْفَرْقِ.
وَأَمَّا الْخَمْسَةُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ مَعَ الْمَيْتَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ حُكْمَهَا عِنْدَهُمْ حُكْمُ الْمَيْتَةِ. وَأَمَّا الْجَلَّالَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ النَّجَاسَةَ - فَاخْتَلَفُوا فِي أَكْلِهَا.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ لِلْأَثَرِ، أَمَّا الْأَثَرُ فَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ لُحُومِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ الْمُعَارِضُ لِهَذَا فَهُوَ أَنَّ مَا يَرِدُ جَوْفَ الْحَيَوَانِ يَنْقَلِبُ إِلَى لَحْمِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ وَسَائِرِ أَجْزَائِهِ، فَإِذَا قُلْنَا: إِنَّ لَحْمَ الْحَيَوَانِ حَلَالٌ - وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِمَا يَنْقَلِبُ مِنْ ذَلِكَ حُكْمُ مَا يَنْقَلِبُ إِلَيْهِ، وَهُوَ اللَّحْمُ، كَمَا لَوِ انْقَلَبَ تُرَابًا، أَوْ كَانْقِلَابِ الدَّمِ لَحْمًا. وَالشَّافِعِيُّ يُحَرِّمُ الْجَلَّالَةَ، وَمَالكٌ يَكْرَهُهَا.
وَأَمَّا النَّجَاسَةُ تُخَالِطُ الْحَلَالَ فَالْأَصْلُ فِيهِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَيْمُونَةَ «أَنَّهُ سُئِلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ جَامِدًا فَاطْرَحُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَكُلُوا الْبَاقِيَ. وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا فَأَرِيقُوهُ، أَوْ لَا تَقْرَبُوهُ» .
وَلِلْعُلَمَاءِ فِي النَّجَاسَةِ تُخَالِطُ الْمَطْعُومَاتِ الْحَلَالَ مَذْهَبَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَنْ يَعْتَبِرُ فِي التَّحْرِيمِ الْمُخَالَطَةَ فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لِلطَّعَامِ لَوْنٌ وَلَا رَائِحَةٌ وَلَا طَعْمٌ مِنْ قِبَلِ النَّجَاسَةِ الَّتِي خَالَطَتْهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute