للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مَالِكٌ فَمَا رَوَاهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ هُوَ أَبْيَنُ فِي الْمُعَارَضَةِ، وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ» . وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ قَدْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآيَةِ بِأَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ الْمَذْكُورُ فِيهِ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَيْسَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآيَةِ إِلَّا أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِلْآيَةِ عِنْدَ مَنْ رَأَى أَنَّ الزِّيَادَةَ نَسْخٌ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ يُنْسَخُ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ.

فَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَالْآيَةِ حَمَلَ حَدِيثَ لُحُومِ السِّبَاعِ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ، وَمَنْ رَأَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ يَتَضَمَّنُ زِيَادَةً عَلَى مَا فِي الْآيَةِ حَرَّمَ لُحُومَ السِّبَاعِ. وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الضَّبُعَ وَالثَّعْلَبَ مُحَرَّمَانِ فَاسْتِدْلَالًا بِعُمُومِ لَفْظِ السِّبَاعِ، وَمَنْ خَصَّصَ مِنْ ذَلِكَ الْعَادِيَةَ فَمَصِيرًا لِمَا «رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الضَّبُعِ آكُلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَصَيْدٌ هِي؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَأَنْتَ سَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ» . وَهَذَا الْحَدِيثُ، وَإِنْ كَانَ انْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ - فَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ جَمَاعَةِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَلِمَا ثَبَتَ مِنْ «إِقْرَارِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى أَكْلِ الضَّبِّ بَيْنَ يَدَيْهِ» .

وَأَمَّا سِبَاعُ الطَّيْرِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا حَلَالٌ لِمَكَانِ الْآيَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ، وَحَرَّمَهَا قَوْمٌ؛ لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ» . إِلَّا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يُخَرِّجْهُ الشَّيْخَانِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ.

وأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَوَاتِ الْحَافِرِ الْإِنْسِيِّ، أَعْنِي: الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ - فَإِنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهُمَا كَانَا يُبِيحَانِهَا، وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُهَا، وَرِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ مِثْلُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ.

وَكَذَلِكَ الْجُمْهُورُ عَلَى تَحْرِيمِ الْبِغَالِ. وَقَوْمٌ كَرِهُوهَا وَلَمْ يُحَرِّمُوهَا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ. وَأَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>