للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَيْلُ فَذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ - إِلَى أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ وَجَمَاعَةٌ إِلَى إِبَاحَتِهَا.

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ مُعَارَضَةُ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ» .

فَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْآيَةِ وَهَذَا الْحَدِيثِ حَمَلَهَا عَلَى الْكَرَاهِيَةِ، وَمَنْ رَأَى النَّسْخَ قَالَ بِتَحْرِيمِ الْحُمُرِ، أَوْ قَالَ بِالزِّيَادَةِ دُونَ أَنْ يُوجِبَ عِنْدَهُ نَسْخًا. وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ تَحْرِيمَهَا بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «أَصَبْنَا حُمُرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ وَطَبَخْنَاهَا، فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَكْفِئُوا الْقُدُورَ بِمَا فِيهَا» . قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْجِلَّةَ.

وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْبِغَالِ فَسَبَبُهُ مُعَارَضَةُ دَلِيلِ الْخِطَابِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: ٨] . وَقَوْلِهِ مَعَ ذَلِكَ مِنَ الْأَنْعَامِ: {لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [غافر: ٧٩] لِلْآيَةِ الْحَاصِرَةِ لِلْمُحَرَّمَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ مَفْهُومُ الْخِطَابِ فِيهَا أَنَّ الْمُبَاحَ فِي الْبِغَالِ إِنَّمَا هُوَ الرُّكُوبُ، مَعَ قِيَاسِ الْبَغْلِ أَيْضًا عَلَى الْحِمَارِ.

وَأَمَّا سَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْخَيْلِ فَمُعَارَضَةُ دَلِيلِ الْخِطَابِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ، وَمُعَارَضَةِ قِيَاسِ الْفَرَسِ عَلَى الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ لَهُ، لَكِنَّ إِبَاحَةَ لَحْمِ الْخَيْلِ نَصٌّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَارَضَ بِقِيَاسٍ وَلَا بِدَلِيلِ خِطَابٍ.

وأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ، وَهِيَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْحَيَوَانِ الْمَأْمُورِ بِقَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ، وَهِيَ الْخَمْسُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ - فَإِنَّ قَوْمًا فَهِمُوا مِنَ الْأَمْرِ بِالْقَتْلِ لَهَا مَعَ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْبَهَائِمِ الْمُبَاحَةِ الْأَكْلِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ هُوَ كَوْنُهَا مُحَرَّمَةً، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَوْمًا فَهِمُوا مِنْ ذَلِكَ مَعْنَى التَّعَدِّي، لَا مَعْنَى التَّحْرِيمِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِمَا.

وَأَمَّا الْجِنْسُ الرَّابِعُ، وَهُوَ الَّذِي تَسْتَخْبِثُهُ النُّفُوسُ كَالْحَشَرَاتِ وَالضَّفَادِعِ وَالسَّرَطَانَاتِ وَالسُّلَحْفَاةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا - فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ حَرَّمَهَا، وَأَبَاحَهَا الْغَيْرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهَا فَقَطْ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ اخْتِلَافُهُمْ فِي مَفْهُومِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخَبَائِثِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] ؛ فَمَنْ رَأَى أَنَّهَا الْمُحَرَّمَاتُ بِنَصِّ الشَّرْعِ لَمْ يُحَرِّمْ مِنْ ذَلِكَ مَا تَسْتَخْبِثُهُ النُّفُوسُ مِمَّا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ، وَمَنْ رَأَى أَنَّ الْخَبَائِثَ هِيَ مَا تَسْتَخْبِثُهُ النُّفُوسُ قَالَ: هِيَ مُحَرَّمَةٌ.

وَأَمَّا مَا حَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي تَحْرِيمِهِ الْحَيَوَانَ الْمَنْهِيَّ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>