للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَتْلِهِ كَالْخُطَّافِ وَالنَّحْلِ، زَعَمَ - فَإِنِّي لَسْتُ أَدْرِي أَيْنَ وَقَعَتِ الْآثَارُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ، وَلَعَلَّهَا فِي غَيْرِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَنَا.

وَأَمَّا الْحَيَوَانُ الْبَحْرِيُّ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى تَحْلِيلِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ مُوَافِقًا بِالِاسْمِ لِحَيَوَانٍ فِي الْبَرِّ مُحَرَّمٍ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ جَمِيعِ حَيَوَانِ الْبَحْرِ، إِلَّا أَنَّهُ كَرِهَ خِنْزِيرَ الْمَاءِ، وَقَالَ: أَنْتُمْ تُسَمُّونَهُ خِنْزِيرًا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، إِلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِطُ فِي غَيْرِ السَّمَكِ التَّذْكِيَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَّا إِنْسَانُ الْمَاءِ، وَخِنْزِيرُ الْمَاءِ فَلَا يُؤْكَلَانِ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْحَالَاتِ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هُوَ هَلْ يَتَنَاوَلُ لُغَةً أَوْ شَرْعًا اسْمُ الْخِنْزِيرِ وَالْإِنْسَانِ خِنْزِيرَ الْمَاءِ وَإِنْسَانَهُ؟ وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَتَطَرَّقَ الْكَلَامُ إِلَى كُلِّ حَيَوَانٍ فِي الْبَحْرِ مُشَارِكٍ بِالِاسْمِ فِي اللُّغَةِ أَوْ فِي الْعُرْفِ لِحَيَوَانٍ مُحَرَّمٍ فِي الْبَرِّ، مِثْلَ الْكَلْبِ عِنْدَ مَنْ يَرَى تَحْرِيمَهُ. وَالنَّظَرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَرْجِعُ إِلَى أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: هَلْ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ لُغَوِيَّةٌ؟

وَالثَّانِي: هَلْ لِلِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ عُمُومٌ؟ أَمْ لَيْسَ لَهُ؟

فَإِنَّ إِنْسَانَ الْمَاءِ وَخِنْزِيرَهُ يُقَالَانِ مَعَ خِنْزِيرِ الْبَرِّ وَإِنْسَانِهِ بِاشْتِرَاكِ الِاسْمِ؛ فَمَنْ سَلَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ لُغَوِيَّةٌ، وَرَأَى أَنَّ لِلِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ عُمُومًا - لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ بِتَحْرِيمِهَا، وَلِذَلِكَ تَوَقَّفَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: أَنْتُمْ تُسَمُّونَهُ خِنْزِيرًا.

فَهَذِهِ حَالُ الْحَيَوَانِ الْمُحَرَّمِ الْأَكْلِ فِي الشَّرْعِ، وَالْحَيَوَانِ الْمُبَاحِ الْأَكْلِ.

وَأَمَّا النَّبَاتُ الَّذِي هُوَ غِذَاءٌ فَكُلُّهُ حَلَالٌ، إِلَّا الْخَمْرَ، وَسَائِرَ الْأَنْبِذَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنَ الْعُصَارَاتِ الَّتِي تَتَخَمَّرُ وَمِنَ الْعَسَلِ نَفْسِهِ.

أَمَّا الْخَمْرُ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا، أَعْنِي: الَّتِي هِيَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ. وَأَمَّا الْأَنْبِذَةُ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْقَلِيلِ مِنْهَا الَّذِي لَا يُسْكِرُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسْكِرَ مِنْهَا حَرَامٌ، فَقَالَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَجُمْهُورُ الْمُحَدِّثِينَ: قَلِيلُ الْأَنْبِذَةِ وَكَثِيرُهَا الْمُسْكِرَةِ حَرَامٌ. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ مِنَ التَّابِعِينَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَشَرِيكٌ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْكُوفِيِّينَ وَأَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْبَصْرِيِّينِ: إِنَّ الْمُحَرَّمَ مِنْ سَائِرِ الْأَنْبِذَةِ الْمُسْكِرَةِ هُوَ السُّكْرُ نَفْسُهُ لَا الْعَيْنُ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ تَعَارُضُ الْآثَارِ وَالْأَقْيِسَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَلِلْحِجَازِيِّينَ فِي تَثْبِيتِ مَذْهَبِهِمْ طَرِيقَتَانِ:

الطَّرِيقَةُ الْأُولَى: الْآثَارُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: تَسْمِيَةُ الْأَنْبِذَةِ بِأَجْمَعِهَا خَمْرًا.

فَمِنْ أَشْهَرِ الْآثَارِ الَّتِي تَمَسَّكَ بِهَا أَهْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>