الْحِجَازِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْبِتْعِ، وَعَنْ نَبِيذِ الْعَسَلِ؟ فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: هَذَا أَصَحُّ حَدِيثٍ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي تَحْرِيمِ الْمُسْكِرِ.
وَمِنْهَا أَيْضًا مَا خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» . فَهَذَانَ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَاتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَانْفَرَدَ بِتَصْحِيحِهِ مُسْلِمٌ.
وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» . وَهُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ.
وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ الثَّانِي مِنْ أَنَّ الْأَنْبِذَةَ كُلَّهَا تُسَمَّى خَمْرًا فَلَهُمْ فِي ذَلِكَ طَرِيقَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: مِنْ جِهَةِ إِثْبَاتِ الْأَسْمَاءِ بِطَرِيقِ الِاشْتِقَاقِ.
وَالثَّانِيةُ: مِنْ جِهَةِ السَّمَاعِ.
فَأَمَّا الَّتِي مِنْ جِهَةِ الِاشْتِقَاقِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْخَمْرَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ خَمْرًا لِمُخَامَرَتِهَا الْعَقْلَ، فَوَجَبَ لِذَلِكَ أَنْ يَنْطَلِقَ اسْمُ الْخَمْرِ لُغَةً عَلَى كُلِّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ. وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ مِنْ إِثْبَاتِ الْأَسْمَاءِ فِيهَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ، وَهِيَ غَيْرُ مَرَضِيَّةٍ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ.
وَأَمَّا الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي مِنْ جِهَةِ السَّمَاعِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُسَلَّمْ لَنَا أَنَّ الْأَنْبِذَةَ تُسَمَّى فِي اللُّغَةِ خَمْرًا فَإِنَّهَا تُسَمَّى خَمْرًا شَرْعًا، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ، وَبِمَا رُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: النَّخْلَةِ، وَالْعِنَبَةِ» . وَمَا رُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْعِنَبِ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ الْعَسَلِ خَمْرًا، وَمِنَ الزَّبِيبِ خَمْرًا، وَمِنَ الْحِنْطَةِ خَمْرًا وَأَنَا أَنْهَاكُمْ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ» . فَهَذِهِ هِيَ عُمْدَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute