السَّرِقَةِ، فَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ رُبُعُ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ النِّصَابُ فِي السَّرِقَةِ عِنْدَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ النِّصَابُ فِي السَّرِقَةِ عِنْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: هُوَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ النِّصَابُ عِنْدَهُ أَيْضًا فِي السَّرِقَةِ.
وَقَدِ احْتَجَّتِ الْحَنَفِيَّةُ لِكَوْنِ الصَّدَاقِ مُحَدَّدًا بِهَذَا الْقَدْرِ بِحَدِيثٍ يَرْوُونَهُ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا مَهْرَ بِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» . وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا لَكَانَ رَافِعًا لِمَوْضِعِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ لِمَوْضِعِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ يُحْمَلَ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَلَى الْخُصُوصِ، وَلَكِنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ يَرْوِيهِ - قَالُوا - مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، وَمُبَشِّرٌ وَالْحَجَّاجُ ضَعِيفَانِ، وَعَطَاءٌ أَيْضًا لَمْ يَلْقَ جَابِرًا. وَلِذَلِكَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَمَّا جِنْسُهُ فَكُلُّ مَا جَازَ أَنْ يُتَمَلَّكَ وَأَنْ يَكُونَ عِوَضًا. وَاخْتَلَفُوا مِنْ ذَلِكَ فِي مَكَانَيْنِ: فِي النِّكَاحِ بِالْإِجَارَةِ، وَفِي جَعْلِ عِتْقِ أَمَتِهِ صَدَاقَهَا.
أَمَّا النِّكَاحُ عَلَى الْإِجَارَةِ فَفِي الْمَذْهَبِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلٌ بِالْإِجَازَةِ، وَقَوْلٌ بِالْمَنْعِ، وَقَوْلٌ بِالْكَرَاهَةِ. وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ الْكَرَاهَةُ. وَلِذَلِكَ رَأَى فَسْخَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَجَازَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَصْبُغُ، وَسَحْنُونٌ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَّا فِي الْعَبْدِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَجَازَهُ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ سَبَبَانِ:
أَحَدُهُمَا: هَلْ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا لَازِمٌ لَنَا حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى ارْتِفَاعِهِ؟ أَمِ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ؟ فَمَنْ قَالَ: هُوَ لَازِمٌ - أَجَازَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: ٢٧] الْآيَةَ. وَمَنْ قَالَ: لَيْسَ بِلَازِمٍ - قَالَ: لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِالْإِجَارَةِ.
وَالسَّبَبُ الثَّانِي: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ النِّكَاحُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْإِجَارَةِ؟ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِجَارَةَ هِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ الْمَجْهُولِ، وَلِذَلِكَ خَالَفَ فِيهَا الْأَصَمُّ وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ التَّعَامُلِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى عَيْنٍ مَعْرُوفَةٍ ثَابِتَةٍ فِي عَيْنٍ مَعْرُوفَةٍ ثَابِتَةٍ. وَالْإِجَارَةُ هِيَ عَيْنٌ ثَابِتَةٌ فِي مُقَابَلَتِهَا حَرَكَاتٌ وَأَفْعَالٌ غَيْرُ ثَابِتَةٍ وَلَا مُقَدَّرَةٍ بِنَفْسِهَا. وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ مَتَى تَجِبُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. وَأَمَّا كَوْنُ الْعِتْقِ صَدَاقًا فَإِنَّهُ مَنَعَهُ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ مَا عَدَا دَاوُدَ، وَأَحْمَدَ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مُعَارَضَةُ الْأَثَرِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ لِلْأُصُولِ، أَعْنِي: مَا ثَبَتَ مِنْ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» . مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هَذَا خَاصًّا بِهِ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute