للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» . فَأَمَّا النَّفَقَةُ: فَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: فِي وَقْتِ وُجُوبِهَا، وَمِقْدَارِهَا، وَلِمَنْ تَجِبُ؟ وَعَلَى مَنْ تَجِبُ؟ فَأَمَّا وَقْتُ وُجُوبِهَا: فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا تَجِب النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا أَوْ يُدْعَى إِلَى الدُّخُولِ بِهَا، وَهِيَ مِمَّنْ تُوطَأُ، وَهُوَ بَالِغٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: يَلْزَمُ غَيْرَ الْبَالِغِ النَّفَقَةُ إِذَا كَانَتْ هِيَ بَالِغًا، وَأَمَّا إِذَا كَانَ هُوَ بَالِغًا وَالزَّوْجَةُ صَغِيرَةً: فَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ بِإِطْلَاقٍ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلِ النَّفَقَةُ لِمَكَانِ الِاسْتِمْتَاعِ، أَوْ لِمَكَانِ أَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَى الزَّوْجِ كَالْغَائِبِ وَالْمَرِيضِ. وَأَمَّا مِقْدَارُ النَّفَقَةِ: فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِالشَّرْعِ، وَأَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ حَالُ الزَّوْجِ وَحَالُ الزَّوْجَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْأَحْوَالِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ، فَعَلَى الْمُوسِرِ: مُدَّانِ، وَعَلَى الْأَوْسَطِ: مُدٌّ وَنِصْفٌ، وَعَلَى الْمُعْسِرِ: مُدٌّ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: تَرَدُّدُ حَمْلِ النَّفَقَةِ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ، أَوْ عَلَى الْكِسْوَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا أَنَّ الْكِسْوَةَ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ، وَأَنَّ الْإِطْعَامَ مَحْدُودٌ. وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي: هَلْ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ خَادِمِ الزَّوْجَةِ؟ وَإِنْ وَجَبَتْ فَكَمْ يَجِبُ؟ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ النَّفَقَةَ لِخَادِمِ الزَّوْجَةِ إِذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْدِمُ نَفْسَهَا. وَقِيلَ: بَلْ عَلَى الزَّوْجَةِ خِدْمَةُ الْبَيْتِ. وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ أَوْجَبُوا النَّفَقَةَ عَلَى خَادِمِ الزَّوْجَةِ: عَلَى كَمْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُنْفِقُ عَلَى خَادِمٍ وَاحِدَةٍ، وَقِيلَ: عَلَى خَادِمَيْنِ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا يَخْدِمُهَا إِلَّا خَادِمَانِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَلَسْتُ أَعْرِفُ دَلِيلًا شَرْعِيًّا لِإِيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْخَادِمِ إِلَّا تَشْبِيهَ الْإِخْدَامِ بِالْإِسْكَانِ، فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِسْكَانَ عَلَى الزَّوْجِ لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي وُجُوبِهِ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ. وَأَمَّا لِمَنْ تَجِبُ النَّفَقَةُ: فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ لِلْحُرَّةِ الْغَيْرِ نَاشِزٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي النَّاشِزِ وَالْأَمَةِ، فَأَمَّا النَّاشِزُ: فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ لَهَا نَفَقَةٌ، وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا: تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ.

وَسَبَبُ الْخِلَافِ: مُعَارَضَةُ الْعُمُومِ لِلْمَفْهُومِ، وَذَلِكَ أَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» يَقْتَضِي أَنَّ النَّاشِزَ، وَغَيْرَ النَّاشِزِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ أَنَّ النَّفَقَةَ هِيَ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ يُوجِبُ أَنْ لَا نَفَقَةَ لِلنَّاشِزِ. وَأَمَّا الْأَمَةُ: فَاخْتَلَفَ فِيهَا أَصْحَابُ مَالِكٍ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَقِيلَ: لَهَا النَّفَقَةُ كَالْحُرَّةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ: لَا نَفَقَةَ لَهَا. وَقِيلَ أَيْضًا: إِنْ كَانَتْ تَأْتِيهِ فَلَهُ النَّفَقَةُ، وَإِنْ كَانَ يَأْتِيهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا. وَقِيلَ: لَهَا النَّفَقَةُ فِي الْوَقْتِ الَّتِي تَأْتِيهِ. وَقِيلَ إِنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا فَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>