للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَطُولَ الْأَمْرُ بِهَا عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَوْ يَتَفَرَّقَا مِنَ الْمَجْلِسِ ; وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَبْقَى لَهَا التَّمْلِيكُ إِلَى أَنْ تَرُدَّ أَوْ تُطَلِّقَ. وَالْفَرْقُ عِنْدَ مَالِكٍ بَيْنَ التَّمْلِيكِ وَتَوْكِيلِهِ إِيَّاهَا عَلَى تَطْلِيقِ نَفْسِهَا: أَنَّ فِي التَّوْكِيلِ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهَا قَبْلَ أَنْ تُطَلِّقَ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي التَّمْلِيكِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: " اخْتَارِي وَأَمْرُكُ بِيَدِكِ سَوَاءٌ "، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ طَلَاقًا إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ، وَإِنْ نَوَاهُ فَهُوَ مَا أَرَادَ إِنْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَة وَإِنْ ثَلَاثًا فَثَلَاث، فَلَهُ عِنْدَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا فِي الطَّلَاقِ نَفْسِهِ، وَفِي الْعَدَدِ فِي الْخِيَارِ أَوِ التَّمْلِيكِ، وَهِيَ عِنْدَهُ إِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا رَجْعِيَّةٌ، وَكَذَلِكَ هِيَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي التَّمْلِيكِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: الْخِيَارُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ، فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فِي التَّمْلِيكِ وَاحِدَةً فَهِيَ بَائِنَةٌ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: الْخِيَارُ وَالتَّمْلِيكُ وَاحِدٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ قِيلَ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي أَعْدَادِ الطَّلَاقِ فِي التَّمْلِيكِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مُنَاكَرَتُهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ فِي التَّمْلِيكِ إِلَّا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، رُوِيَ أَنَّهُ جَاءَ ابْنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ، فَقَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ امْرَأَتِي بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ: لَوْ أَنَّ الَّذِي بِيَدِكَ مِنْ أَمْرِي بِيَدِي لَعَلِمْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ، قَالَ: فَإِنَّ الَّذِي بِيَدِي مِنْ أَمْرِكِ بِيَدِكِ، قَالَتْ: فَأَنْتَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، قَالَ: أُرَاهَا وَاحِدَةً، وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا، وَسَأَلْقَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ، ثُمَّ لَقِيَهُ فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: صَنَعَ اللَّهُ بِالرِّجَالِ وَفَعَلَ، يَعْمِدُونَ إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ فَيَجْعَلُونَهُ بِأَيْدِي النِّسَاءِ، بِفِيهَا التُّرَابُ، مَاذَا قُلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قُلْتُ: أَرَاهَا وَاحِدَةً، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا قَالَ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَوْ رَأَيْتَ غَيْرَ ذَلِكَ عَلِمْتُ أَنَّكَ لَمْ تُصِبْ. وَقَدْ قِيلَ: لَيْسَ التَّمْلِيكُ بِشَيْءٍ لِأَنَّ مَا جَعَلَ الشَّرْعُ بِيَدِ الرَّجُلِ لَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى يَدِ الْمَرْأَةِ بِجَعْلِ جَاعِلٍ.

وَكَذَلِكَ التَّخْيِيرُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ، وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُمَلَّكَةِ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ فِي الطَّلَاقِ أَوِ الْبَقَاءِ عَلَى الْعِصْمَةِ مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَجَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ التَّمْلِيكَ إِذَا أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ كَالْوَكَالَةِ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ مَتَى أَحَبَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُوقِعِ الطَّلَاقَ. وَإِنَّمَا صَارَ الْجُمْهُورُ لِلْقَضَاءِ بِالتَّمْلِيكِ أَوِ التَّخْيِيرِ، وَجَعْلِ ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ لِمَا ثَبَتَ مِنْ تَخْيِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: «خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَرْنَاهُ» فَلَمْ يَكُنْ طَلَاقًا. لَكِنَّ أَهْلَ الظَّاهِرِ يَرَوْنَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُنَّ لَوِ اخْتَرْنَ أَنْفُسَهُنَّ طَلَّقَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَنَّهُنَّ كُنَّ يُطَلَّقْنَ بِنَفْسِ اخْتِيَارِ الطَّلَاقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>