وَأَمَّا بَيْعُ حَبَلِ الْحَبَلَةِ: فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَانَتْ بُيُوعًا يُؤَجِّلُونَهَا إِلَى أَنْ تُنْتِجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا، ثُمَّ يَنْتِجُ مَا فِي بَطْنِهَا، وَالْغَرَرُ مِنْ جِهَةِ الْأَجَلِ فِي هَذَا بَيِّنٌ; وَقِيلَ: إِنَّمَا هُوَ بَيْعُ جَنِينِ النَّاقَةِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ، وَالْمَلَاقِيحِ. (وَالْمَضَامِينُ: هِيَ مَا فِي بُطُونِ الْحَوَامِلِ، وَالْمَلَاقِيحُ: مَا فِي ظُهُورِ الْفُحُولِ) ، فَهَذِهِ كُلُّهَا بُيُوعُ جَاهِلِيَّةٍ مُتَّفَقٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ مِنْ تِلْكَ الْأَوْجُهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.
وَأَمَّا بَيْعُ الثِّمَارِ: فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَحَتَّى تُزْهِيَ» . وَيَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مَسَائِلُ مَشْهُورَةٌ نَذْكُرُ مِنْهَا نَحْنُ عُيُونَهَا. وَذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ الثِّمَارِ لَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ قَبْلَ أَنْ تُخَلَّقَ أَوْ بَعْدَ أَنْ تُخَلَّقَ، ثُمَّ إِذَا خُلِّقَتْ لَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الصِّرَامِ أَوْ قَبْلَهُ، ثُمَّ إِذَا كَانَ قَبْلَ الصِّرَامِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ قَبْلَ أَنْ تُزْهِيَ أَوْ بَعْدَ أَنْ تُزْهِيَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بَيْعًا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ، أَوْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ.
أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ (وَهُوَ بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ تُخَلَّقَ) : فَجَمِيعُ الْعُلَمَاءِ مُطْبِقُونَ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخَلَّقْ، وَمِنْ بَابِ بَيْعِ السِّنِينَ وَالْمُعَاوَمَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ، وَعَنْ بَيْعِ الْمُعَاوَمَةِ» ، وَهِيَ بَيْعُ الشَّجَرِ أَعْوَامًا. إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا كَانَا يُجِيزَانِ بَيْعَ الثِّمَارِ سِنِينَ. وَأَمَّا بَيْعُهَا بَعْدَ الصِّرَامِ: فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ. وَأَمَّا بَيْعُهَا بَعْدَ أَنْ خُلِّقَتْ: فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي نَذْكُرُهُ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا بَعْدَ الصِّرَامِ، فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ: إِنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ الصِّرَامِ، فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ بَعْدَ أَنْ تُزْهِيَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُزْهِيَ، وَقَدْ قُلْنَا: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بَيْعًا مُطْلَقًا، أَوْ بَيْعًا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، أَوْ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ. فَأَمَّا بَيْعُهَا قَبْلَ الزَّهْوِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ: فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ مَنْعِ ذَلِكَ، وَهِيَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ. وَأَمَّا بَيْعُهَا قَبْلَ الزَّهْوِ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ: فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ جَوَازِهِ تَخْرِيجًا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا بَيْعُهَا قَبْلَ الزَّهْوِ مُطْلَقًا: فَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، فَجُمْهُورُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ: مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَاللَّيْثُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ عِنْدَهُ فِيهِ الْقَطْعُ لَا مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ بَيْعُ مَا لَمْ يَرَهُ بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ عِنْدَهُ فِي بَيْعِ الثَّمَرِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَعْدُ.
أَمَّا دَلِيلُ الْجُمْهُورِ عَلَى مَنْعِ بَيْعِهَا مُطْلَقًا قَبْلَ الزَّهْوِ، فَالْحَدِيثُ الثَّابِتُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute