للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَجَازَ مَالِكٌ بَيْعَ الشَّيْءِ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، (أَعْنِي: إِذَا كَانَ مِنَ الْقُرْبِ بِحَيْثُ يُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ فِيهِ) فَاعْلَمْهُ.

مَسْأَلَةٌ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَعْيَانِ إِلَى أَجَلٍ، وَأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُبْتَاعِ بِأَثَرِ عَقْدِ الصَّفْقَةِ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا، وَرَبِيعَةَ، وَطَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَجَازُوا بَيْعَ الْجَارِيَةِ الرَّفِيعَةِ عَلَى شَرْطِ الْمُوَاضَعَةِ، وَلَمْ يُجِيزُوا فِيهَا النَّقْدَ كَمَا لَمْ يُجِزْهُ مَالِكٌ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ، وَإِنَّمَا مَنَعَ ذَلِكَ الْجُمْهُورُ لِمَا يَدْخُلُهُ مِنَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَمِنْ عَدَمِ التَّسْلِيمِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، (أَعْنِي: لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَرَرِ مِنْ عَدَمِ التَّسْلِيمِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ) لَا مِنْ بَابِ الرِّبَا، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِي عِلَّةِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ.

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا كَانَ يَرَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ غَرِيمِهِ فِي دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ ثَمْرًا قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ، وَيَرَاهُ مِنْ بَابِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَكَانَ أَشْهَبَ يُجِيزُ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي قَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ، (أَعْنِي: أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ مِنَ الْأَثْمَانِ يَقُومُ مَقَامَ قَبْضِ الْأَوَاخِرِ) ، وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ.

مَسْأَلَةٌ ; أَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى بَيْعِ التَّمْرِ الَّذِي يُثْمِرُ بَطْنًا وَاحِدًا يَطِيبُ بَعْضُهُ وَإِنْ لَمْ تَطِبْ جُمْلَتُهُ مَعًا; وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُثْمِرُ بُطُونًا مُخْتَلِفَةً; وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْبُطُونَ الْمُخْتَلِفَةَ لَا تَخْلُو أَنْ تَتَّصِلَ أَوْ لَا تَتَّصِلَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْعُ مَا لَمْ يُخَلَّقْ مِنْهَا دَاخِلًا فِيمَا خُلِّقَ، كَشَجَرِ التِّينِ يُوجَدُ فِيهِ الْبَاكُورُ وَالْعَصِيرُ، ثُمَّ إِنِ اتَّصَلَتْ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَتَمَيَّزَ الْبُطُونُ أَوْ لَا تَتَمَيَّزُ، فَمِثَالُ الْمُتَمَيِّزِ: جَزُّ الْقَصِيلِ الَّذِي يُجَزُّ مُدَّةً بَعْدَ مُدَّةٍ.

وَمِثَالُ غَيْرِ الْمُتَمَيِّزِ: الْمَبَاطِخُ، وَالْمَقَاثِئُ، وَالْبَاذِنْجَانُ، وَالْقَرْعُ، فَفِي الَّذِي يَتَمَيَّزُ عَنْهُ وَيَنْفَصِلُ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا الْجَوَازُ، وَالْأُخْرَى الْمَنْعُ. وَفِي الَّذِي يَتَّصِلُ وَلَا يَتَمَيَّزُ قَوْلٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْجَوَازُ، وَخَالَفَهُ الْكُوفِيُّونَ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي هَذَا كُلِّهِ، فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَطْنٍ مِنْهَا بِشَرْطِ بَطْنٍ آخَرَ. وَحُجَّةُ مَالِكٍ فِيمَا لَا يَتَمَيَّزُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَبْسُ أَوَّلِهِ عَلَى آخِرِهِ، فَجَوَازُ أَنْ يُبَاعَ مَا لَمْ يُخَلَّقْ مِنْهَا مَعَ مَا خُلِّقَ وَبَدَا صَلَاحُهُ، أَصْلُهُ جَوَازُ بَيْعِ مَا لَمْ يَطِبْ مِنَ الثَّمَرِ مَعَ مَا طَابَ، لِأَنَّ الْغَرَرَ فِي الصِّفَةِ شَبَّهَهُ بِالْغَرَرِ فِي عَيْنِ الشَّيْءِ، وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الرُّخْصَةَ هَاهُنَا يَجِبُ أَنْ تُقَاسَ عَلَى الرُّخْصَةِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ، (أَعْنِي: مَا طَابَ مَعَ مَا لَمْ يَطِبْ) لِمَوْضِعِ الضَّرُورَةِ، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ مِنَ الْغَرَرِ مَا يَجُوزُ لِمَوْضِعِ الضَّرُورَةِ، وَلِذَلِكَ مُنِعَ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَهُ بَيْعُ الْقَصِيلِ بَطْنًا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ هُنَاكَ إِذَا كَانَ مُتَمَيِّزًا. وَأَمَّا وَجْهُ الْجَوَازِ فِي الْقَصِيلِ فَتَشْبِيهًا لَهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ عِنْدَهُمْ مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخَلَّقْ، وَمِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ مُعَاوَمَةً. وَاللِّفْتُ، وَالْجَزَرُ، وَالْكُرُنْبُ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ بَيْعُهُ إِذَا بَدَا صَلَاحُهُ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُهُ لِلْأَكْلِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>