وَأَجْمَعَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ مَسْكُوكَهُ، وَتِبْرَهُ، وَمَصُوغَهُ سَوَاءٌ فِي مَنْعِ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي ذَلِكَ، إِلَّا مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ كَانَ يُجِيزُ التَّفَاضُلَ بَيْنَ التِّبْرِ، وَالْمَصُوغِ لِمَكَانِ زِيَادَةِ الصِّيَاغَةِ، وَإِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَأْتِي دَارَ الضَّرْبِ بِوَرَقِهِ، فَيُعْطِيهِمْ أُجْرَةَ الضَّرْبِ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ دَنَانِيرَ، وَدَرَاهِمَ وَزْنَ وَرِقِهِ أَوْ درهمِهِ، فَقَالَ: إِذَا كَانَ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ خُرُوجِ الرُّفْقَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. وَأَجَازَ مَالِكٌ بَدْلَ الدِّينَارِ النَّاقِصِ بِالْوَازِنِ أَوْ بِالدِّينَارَيْنِ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِي الْعَدَدِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ مِنَ الَّذِي لَا يَجُوزُ عَلَى جِهَةِ الْمَعْرُوفِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي السَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ الْمُحَلَّى: يُبَاعُ بِالْفِضَّةِ وَفِيهِ حِلْيَةُ فِضَّةٍ، أَوْ بِالذَّهَبِ وَفِيهِ حِلْيَةُ ذَهَبٍ؟
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِجَهْلِ الْمُمَاثَلَةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي بَيْعِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ فِي ذَلِكَ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ قِيمَةُ مَا فِيهِ مِنَ الذَّهَبِ، أَوِ الْفِضَّةِ الثُّلُثَ فَأَقَلَّ جَازَ بَيْعُهُ (أَعْنِي: بِالْفِضَّةِ إِنْ كَانَتْ حِلْيَتُهُ فِضَّةً، أَوْ بِالذَّهَبِ إِنْ كَانَتْ حِلْيَتُهُ ذَهَبًا) ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الْفِضَّةُ قَلِيلَةً لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً فِي الْبَيْعِ وَصَارَتْ كَأَنَّهَا هِبَةٌ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالْفِضَّةِ إِذَا كَانَتِ الْفِضَّةُ أَكْثَرَ مِنَ الْفِضَّةِ الَّتِي فِي السَّيْفِ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي بَيْعِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالذَّهَبِ; لِأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الْفِضَّةَ الَّتِي فِيهِ أَوِ الذَّهَبَ يُقَابِلُ مِثْلَهُ مِنَ الذَّهَبِ، أَوِ الْفِضَّةِ الْمُشْتَرَاةِ بِهِ، وَيَبْقَى الْفَضْلُ قِيمَةَ السَّيْفِ.
وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ: عُمُومُ الْأَحَادِيثِ وَالنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِخَيْبَرَ بِقِلَادَةٍ فِيهَا ذَهَبٌ، وَخَرَزٌ، وَهِيَ مِنَ الْمَغَانِمِ تُبَاعُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ يُنْزَعُ وَحْدَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ» ، خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ.
وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ كَمَا قُلْنَا فَأَجَازَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ، وَقَالَ: لَا أَسْكُنُ فِي أَرْضٍ أَنْتَ فِيهَا لِمَا رَوَاهُ مِنَ الْحَدِيثِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
; اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ الصَّرْفِ أَنْ يَقَعَ نَاجِزًا. وَاخْتَلَفُوا فِي الزَّمَانِ الَّذِي يَحُدُّ هَذَا الْمَعْنَى، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: الصَّرْفُ يَقَعُ نَاجِزًا مَا لَمْ يَفْتَرِقِ الْمُتَصَارِفَانِ تَعَجَّلَ أَوْ تَأَخَّرَ الْقَبْضُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ تَأَخَّرَ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ بَطَلَ الصَّرْفُ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى كَرِهَ الْمُوَاعَدَةَ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute