وَسَبَبُ الْخِلَافِ تَرَدُّدُهُمْ فِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ» ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا يَخْتَلِفُ بِالْأَقَلِّ، وَالْأَكْثَرِ.
فَمَنْ رَأَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَالِحٌ لِمَنْ لَمْ يَفْتَرِقْ مِنَ الْمَجْلِسِ (أَعْنِي: أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَاعَ هَاءَ وَهَاءَ) قَالَ: يَجُوزُ التَّأْخِيرُ فِي الْمَجْلِسِ. وَمَنْ رَأَى أَنَّ اللَّفْظَ لَا يَصِحُّ إِلَّا إِذَا وَقَعَ الْقَبْضُ مِنَ الْمُتَصَارِفَيْنِ عَلَى الْفَوْرِ قَالَ: إِنْ تَأَخَّرَ الْقَبْضُ عَنِ الْعَقْدِ فِي الْمَجْلِسِ بَطَلَ الصَّرْفُ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمْ فِي الصَّرْفِ حَوَالَةٌ، وَلَا حَمَّالَةٌ، وَلَا خِيَارٌ، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ أَجَازَ فِيهِ الْخِيَارَ.
وَاخْتُلِفَ فِي الْمَذْهَبِ فِي التَّأْخِيرِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْمُتَصَارِفَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا، فَمَرَّةً قِيلَ فِيهِ: إِنَّهُ مِثْلُ الَّذِي يَقَعُ بِالِاخْتِيَارِ، وَمَرَّةً قِيلَ: إِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فِي تَفَاصِيلَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، لَيْسَ قَصْدُنَا ذِكْرَهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ.
والْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنِ اصْطَرَفَ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ، ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا دِرْهَمًا زَائِفًا، فَأَرَادَ رَدَّهُ: فَقَالَ مَالِكٌ: يَنْتَقِضُ الصَّرْفُ، وَإِنْ كَانَتْ دَنَانِيرَ كَثِيرَةً انْتُقَِضَ مِنْهَا دِينَار لِلدِّرْهَمِ فَمَا فَوْقَهُ إِلَى صَرْفِ دينَار، فَإِنْ زَادَ دِرْهَمٌ عَلَى دِينَارٍ انْتَقَضَ مِنْهَا دِينَار آخَرَ، وَهَكَذَا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى صَرْفِ دِينَارٍ. قَالَ: وَإِنْ رَضِيَ بِالدِّرْهَمِ الزَّائِفِ لَمْ يَبْطُلْ مِنَ الصَّرْفِ شَيْءٌ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَبْطُلُ الصَّرْفُ بِالدِّرْهَمِ الزَّائِفِ، وَيَجُوزُ تَبْدِيلُهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الزُّيُوفُ نِصْفَ الدَّرَاهِمِ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ رَدَّهَا بَطَلَ الصَّرْفُ فِي الْمَرْدُودِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إِذَا رَدَّ الزُّيُوفَ كَانَ مُخَيَّرًا إِنْ شَاءَ أَبْدَلَهَا أَوْ يَكُونَ شَرِيكًا لَهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ فِي الدَّنَانِيرِ (أَعْنِي: لِصَاحِبِ الدَّنَانِيرِ) .
وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَبْطُلُ الصَّرْفُ بِالرَّدِّ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا. وَابْنُ وَهْبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ يُجِيزُ الْبَدَلَ فِي الصَّرْفِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْغَلَبَةَ عَلَى النَّظِرَةِ فِي الصَّرْفِ لَيْسَ لَهَا تَأْثِيرٌ، وَلَا سِيَّمَا فِي الْبَعْضِ، وَهُوَ أَحْسَنُ.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ فِي بُطْلَانِ الصَّرْفِ بِالزُّيُوفِ قَوْلَانِ.
فَيَتَحَصَّلُ لِفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلٌ بِإِبْطَالِ الصَّرْفِ مُطْلَقًا عِنْدَ الرَّدِّ. وَقَوْلٌ بِإِثْبَاتِ الصَّرْفِ وَوُجُوبِ الْبَدَلِ. وَقَوْلٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ. وَقَوْلٌ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ بَدَلِ الزَّائِفِ أَوْ يَكُونُ شَرِيكًا لَهُ.
وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي هَذَا كُلِّهِ: هَلِ الْغَلَبَةُ عَلَى التَّأْخِيرِ فِي الصَّرْفِ مُؤَثِّرَةٌ فِيهِ، أَوْ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ؟ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَثِّرَةً فَهَلْ هِيَ مُؤَثِّرَةٌ فِي الْقَلِيلِ أَوْ فِي الْكَثِيرِ؟
وَأَمَّا وُجُودُ النُّقْصَانِ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ اضْطَرَبَ فِيهِ، فَمَرَّةً قَالَ فِيهِ: إِنَّهُ إِنْ رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ جَازَ الصَّرْفُ، وَإِنْ طَلَبَ الْبَدَلَ انْتَقَضَ الصَّرْفُ قِيَاسًا عَلَى الزُّيُوفِ، وَمَرَّةً قَالَ: يَبْطُلُ الصَّرْفُ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا إِذَا