للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» .

وَالَّذِينَ أَبَاحُوهُ قَاسُوهُ عَلَى الْأَفْعَالِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ، وَهَذَا هُوَ سَبَبُ الِاخْتِلَافِ (أَعْنِي: هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ؟) .

وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ: فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَيْضًا، وَكَرِهَهُ قَوْمٌ، وَأَجَازَهُ آخَرُونَ.

وَالَّذِينَ أَبَاحُوهُ قَاسُوهُ عَلَى سَائِرِ الْأَفْعَالِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ «عَنْ خَارِجَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: " أَقْبَلْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَتَيْنَا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَقَالُوا: إِنَّكُمْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ، فَهَلْ عِنْدَكُمْ دَوَاءٌ أَوْ رُقْيَةٌ، فَإِنَّ عِنْدَنَا مَعْتُوهًا فِي الْقُيُودِ، فَقُلْنَا لَهُمْ: نَعَمْ، فَجَاءُوا بِهِ، فَجَعَلْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غُدْوَةً، وَعَشِيَّةً أَجْمَعُ بِرِيقِي، ثُمَّ أَتْفُلُ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَأَعْطَوْنِي جُعْلًا، فَقُلْتُ: لَا، حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: " كُلْ فَلَعَمْرِي لَمَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ، فَلَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ» . وَبِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا فِي غَزَاةٍ، فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَقَالُوا: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَاقٍ، فَإِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ قَدْ لُدِغَ، أَوْ قَدْ عُرِضَ لَهُ، قَالَ: فَرَقَى رَجُلٌ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَبَرِئَ، فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِنَ الْغَنَمِ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: بِمَ رَقَيْتَهُ؟ قَالَ: بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ قَالَ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خُذُوهَا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ فِيهَا بِسَهْمٍ» .

وَأَمَّا الَّذِينَ كَرِهُوا الْجُعْلَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَقَالُوا: هُوَ مِنْ بَابِ الْجُعْلِ عَلَى تَعْلِيمِ الصَّلَاةِ. قَالُوا: وَلَمْ يَكُنِ الْجُعْلُ الْمَذْكُورُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى الرَّقْيِ، وَسَوَاءٌ أكَانَ الرَّقْيُ بِالْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا جَائِزٌ كَالْعِلَاجَاتِ. قَالُوا: وَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَى النَّاسِ، وَأَمَّا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ.

وَأَمَّا إِجَارَةُ الْفُحُولِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالدَّوَابِّ: فَأَجَازَ مَالِكٌ أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ فَحْلَهُ عَلَى أَنْ يَنْزَوَ أَكْوَامًا مَعْلُومَةً، وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا الشَّافِعِيُّ.

وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ: مَا جَاءَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ عَسِيبِ الْفَحْلِ; وَمَنْ أَجَازَهُ شَبَّهَهُ بِسَائِرِ الْمَنَافِعِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ; لِأَنَّهُ تَغْلِيبُ الْقِيَاسِ عَلَى السَّمَاعِ.

وَاسْتِئْجَارُ الْكَلْبِ أَيْضًا هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>