وَاحْتِرَاقِ الْخُبْزِ عِنْدَ الْفَرَّانِ، وَالطَّبِيبِ يَمُوتُ الْعَلِيلُ مِنْ مُعَالَجَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْبَيْطَارُ، إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ تَعَدَّى فَيَضْمَنُ حِينَئِذٍ.
وَأَمَّا الطَّبِيبُ وَمَا أَشْبَهَهُ إِذَا أَخْطَأَ فِي فِعْلِهِ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِيمَا فَوْقَ الثُّلُثِ وَفِي مَالِهِ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَعَلَيْهِ الضَّرْبُ، وَالسَّجْنُ، وَالدِّيَةُ، قِيلَ: فِي مَالِهِ، وَقِيلَ: عَلَى الْعَاقِلَةِ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ الِاخْتِلَافِ
وَهُوَ النَّظَرُ فِي الِاخْتِلَافِ، وَفِي هَذَا الْبَابِ أَيْضًا مَسَائِلُ:
فَمِنْهَا: أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا إِذَا اخْتَلَفَ الصَّانِعُ، وَرَبُّ الْمَصْنُوعِ فِي صِفَةِ الصَّنْعَةِ: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَصْنُوعِ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: الْقَوْلُ قَوْلُ الصَّانِعِ.
وَسَبَبُ الْخِلَافِ مَنِ الْمُدَّعِي مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَمَنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟
وَمِنْهَا: إِذَا ادَّعَى الصُّنَّاعُ رَدَّ مَا اسْتُصْنِعُوا فِيهِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الدَّافِعُ: فَالْقَوْلُ عِنْدَ مَالِكٍ قَوْلُ الدَّافِعِ، وَعَلَى الصُّنَّاعِ الْبَيِّنَةُ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا ضَامِنِينَ لِمَا فِي أَيْدِيهِمْ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الصُّنَّاعِ إِنْ كَانَ مَا دُفِعَ إِلَيْهِمْ دُفِعَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَإِنْ كَانَ دُفِعَ إِلَيْهِمْ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يَبْرَءُونَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ.
وَإِذَا اخْتَلَفَ الصَّانِعُ، وَرَبُّ الْمَتَاعِ فِي دَفْعِ الْأُجْرَةِ، فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الصَّانِعِ مَعَ يَمِينِهِ إِنْ قَامَ بِحِدْثَانِ ذَلِكَ، وَإِنْ تَطَاوَلَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَصْنُوعِ، وَكَذَلِكَ إِذَا اخْتَلَفَ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي، وَقِيلَ: بَلِ الْقَوْلُ قَوْلُ الصَّانِعِ، وَقَوْلُ الْمُكْرِي، وَإِنْ طَالَ، وَهُوَ الْأَصْلُ.
وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُكْرِي، وَالْمُكْتَرِي، أَوِ الْأَجِيرُ، وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي مُدَّةِ الزَّمَانِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ إِذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَمْ تُسْتَوْفَ فِي جَمِيعِ الزَّمَانِ الْمَضْرُوبِ فِي ذَلِكَ، فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرِ; لِأَنَّهُ الْغَارِمُ، وَالْأُصُولُ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْغَارِمِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْتَرِي لَهُ وَالْمُسْتَأْجِرِ إِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَوْفَاةُ مِنْهَا الْمَنَافِعُ فِي قَبْضِهِمَا، مِثْلَ الدَّارِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ فِي قَبْضِهِ مِثْلَ الْأَجِيرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ.
وَمِنْ مَسَائِلِ الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ: اخْتِلَافُ الْمُتَكَارِيَيْنِ فِي الدَّوَابِّ وَفِي الرَّوَاحِلِ، وَذَلِكَ أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِي قَدْرِ الْمَسَافَةِ، أَوْ نَوْعِهَا، أَوْ قَدْرِ الْكِرَاءِ أَوْ نَوْعِهِ:
فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي نَوْعِ الْمَسَافَةِ، أَوْ فِي نَوْعِ الْكِرَاءِ: فَالتَّحَالُفُ وَالتَّفَاسُخُ كَاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي نَوْعِ الثَّمَنِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: انْعَقَدَ أَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدَّابَّةِ إِذَا انْعَقَدَ، وَكَانَ يُشْبِهُ مَا قَالَ.