للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَهُوَ أَحَدُ مَا رُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ آخَرُونَ: لَهُ النَّفَقَةُ فِي السَّفَرِ مِنْ طَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ فِي الْحَضَرِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: إِذَا كَانَ الْمَالُ يَحْمِلُ ذَلِكَ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: يُنْفِقُ ذَاهِبًا، وَلَا يُنْفِقُ رَاجِعًا. وَقَالَ اللَّيْثُ: يَتَغَدَّى فِي الْمِصْرِ وَلَا يَتَعَشَّى. وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَهُ نَفَقَتَهُ فِي الْمَرَضِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ: أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهُ فِي الْمَرَضِ.

وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يُجِزْهُ: أَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ فِي الْقِرَاضِ فَلَمْ يَجُزْ. أَصْلُهُ الْمَنَافِعُ.

وَحُجَّةُ مَنْ أَجَازَهُ أَنَّ عَلَيْهِ الْعَمَلَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَمَنْ أَجَازَهُ فِي الْحَضَرِ شَبَّهَهُ بِالسَّفَرِ.

وَأَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنَ الرِّبْحِ إِلَّا بِحَضْرَةِ رَبِّ الْمَالِ، وَأَنَّ حُضُورَ رَبِّ الْمَالِ شَرْطٌ فِي قِسْمَةِ الْمَالِ، وَأَخْذِ الْعَامِلِ حِصَّتَهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ يَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنْ يَقِسِمَهُ بِحُضُورِ بَيِّنَةٍ، وَلَا غَيْرِهَا.

الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ الطَّوَارِئِ

وَاخْتَلَفُوا إِذَا أَخَذَ الْمُقَارِضُ حِصَّتَهُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ رَبِّ الْمَالِ، ثُمَّ ضَاعَ الْمَالُ، أَوْ بَعْضُهُ; فَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَذِنَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ فِي ذَلِكَ فَالْعَامِلُ مُصَدَّقٌ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنَ الضَّيَاعِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ: مَا أَخَذَ الْعَامِلُ يَرُدُّهُ وَيَجْبُرُ بِهِ رَأْسَ الْمَالِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ فَضْلًا إِنْ كَانَ هُنَالِكَ.

وَاخْتَلَفُوا إِذَا هَلَكَ مَالُ الْقِرَاضِ بَعْدَ أَنِ اشْتَرَى الْعَامِلُ بِهِ سِلْعَةً مَا وَقَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهُ الْبَائِعَ: فَقَالَ مَالِكٌ: الْبَيْعُ لَازِمٌ لِلْعَامِلِ، وَرَبُّ الْمَالِ مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ دَفَعَ قِيمَةَ السِّلْعَةِ مَرَّةً ثَانِيَةً، ثُمَّ تَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا مِنَ الْمُقَارَضَةِ، وَإِنْ شَاءَ تَبَرَّأَ عَنْهَا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ الشِّرَاءَ رَبُّ الْمَالِ شبّهه بِالْوَكِيلِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: يَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ الْقِرَاضِ الثَّمَنَيْنِ، وَلَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِهِ عَيْنًا (أَعْنِي: ثَمَنَ تِلْكَ السِّلْعَةِ الَّتِي تَلِفَتْ أَوَّلًا، وَالثَّمَنَ الثَّانِيَ الَّذِي لَزِمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ) .

وَاخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ الْعَامِلِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بَعْضَ سِلَعِ الْقِرَاضِ: فَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ، وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَا قَدْ تَبَايَعَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ. وَوَجْهُهُ مَا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ يُرَخِّصُ لَهُ فِي السِّلْعَةِ مِنْ أَجْلِ مَا قَارَضَهُ، فَكَأَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَخَذَ مِنَ الْعَامِلِ مَنْفَعَةً سِوَى الرِّبْحِ الَّذِي اشْتَرَطَ عَلَيْهِ.

وَلَا أَعْرِفُ خِلَافًا بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّهُ إِنْ تَكَارَى الْعَامِلُ عَلَى السِّلَعِ إِلَى بَلَدٍ فَاسْتَغْرَقَ الْكِرَاءُ قِيَمَ السِّلَعِ وَفَضَلَ عَلَيْهِ فَضْلَةٌ أَنَّهَا عَلَى الْعَامِلِ لَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ; لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ إِنَّمَا دَفَعَ مَالَهُ إِلَيْهِ لِيَتَّجِرَ بِهِ، فَمَا كَانَ مِنْ خُسْرَانٍ فِي الْمَالِ فَعَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى الْمَالِ وَاسْتَغْرَقَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>