{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: ٤٤] .
وَمِنْ ذَلِكَ الْأَثَرُ الثَّابِتُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَأَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ ثُلُثَ ذَلِكَ الرَّقِيقِ» .
وَأَمَّا الْقِسْمَةُ بِالتَّرَاضِي سَوَاءٌ أكَانَتْ بَعْدَ تَعْدِيلٍ وَتَقْوِيٍم، أَوْ بِغَيْرِ تَقْوِيمٍ وَتَعْدِيلٍ; فَتَجُوزُ فِي الرِّقَابِ الْمُتَّفِقَةِ وَالْمُخْتَلِفَةِ; لِأَنَّه بَيْعٌ مِنَ الْبُيُوعِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ فِيهَا مَا يَحْرُمُ فِي الْبُيُوعِ.
الْفَصْلُ الثَّانِي.
فِي الْعُرُوضِ وَأَمَّا الْحَيَوَانُ، وَالْعُرُوضُ: فَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِسْمَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْفَسَادِ الدَّاخِلِ فِي ذَلِكَ. وَاخْتَلَفُوا إِذَا تَشَاحَّ الشَّرِيكَانِ فِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَتَرَاضَيَا بِالِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى الشِّيَاعِ، وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبِيعَ صَاحِبُهُ مَعَهُ، فَقَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ: يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْقِيمَةِ الَّتِي أَعْطَى فِيهَا أَخَذَهُ. وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: لَا يُجْبَرُ; لِأَنَّ الْأُصُولَ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَخْرُجَ مَلِكُ أَحَدٍ مِنْ يَدِهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ مِنْ كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ.
وَحُجَّةُ مَالِكٍ أَنَّ فِي تَرْكِ الْإِجْبَارِ ضَرَرًا،
وَهَذَا مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ الْمُرْسَلِ
، وَقَدْ قُلْنَا فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ: إِنَّهُ لَيْسَ يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَّا مَالِكٌ، وَلَكِنَّهُ كَالضَّرُورِيِّ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْعُرُوضُ أَكْثَرَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ: فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى قِسْمَتِهَا عَلَى التَّرَاضِي. وَاخْتَلَفُوا فِي قِسْمَتِهَا بِالتَّعْدِيلِ وَالسُّهْمَةِ، فَأَجَازَهَا مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَابْنُ الْمَاجِشُونِ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي تَمْيِيزِ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ الَّذِي تَجُوزُ فِيهِ السُّهْمَةُ مِنَ الَّتِي لَا تَجُوزُ:
فَاعْتَبَرَهُ أَشْهَبُ بِمَا لَا يَجُوزُ تَسْلِيمُ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ.
وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَاضْطَرَبَ: فَمَرَّةً أَجَازَ الْقَسْمَ بِالسُّهْمَةِ فِيمَا لَا يَجُوزُ تَسْلِيمُ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ، فَجَعَلَ الْقِسْمَةَ أَخَفَّ مِنَ السَّلَمِ. وَمَرَّةَ مَنَعَ الْقِسْمَةَ فِيمَا مَنَعَ فِيهِ السَّلَمَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي ذَلِكَ أَخَفُّ، وَأَنَّ مَسَائِلَهُ الَّتِي يُظَنُّ مِنْ قِبَلِهَا أَنَّ الْقِسْمَةَ عِنْدَهُ أَشَدُّ مِنَ السَّلَمِ تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ عَلَى أَصْلِهِ الثَّانِي.
وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إِلَى أَنَّهُ يَجْمَعُ فِي الْقِسْمَةِ مَا تَقَارَبَ مِنَ الصِّنْفَيْنِ مِثْلَ الْخَزِّ، وَالْحَرِيرِ، وَالْقُطْنِ، وَالْكَتَّانِ. وَأَجَازَ أَشْهَبُ جَمْعَ صِنْفَيْنِ فِي الْقِسْمَةِ بِالسُّهْمَةِ مَعَ التَّرَاضِي، وَذَلِكَ ضَعِيفٌ; لِأَنَّ الْغَرَرَ لَا يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي.