للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الصَّبْغَ تَفْوِيتٌ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْغَصْبِ.

وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُمَا يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ، هَذَا بِقِيمَةِ الصَّبْغِ، وَهَذَا بِقِيمَةِ الثَّوْبِ إِنْ أَبَى رَبُّ الثَّوْبِ أَنْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الصَّبْغِ، وَإِنْ أَبَى الْغَاصِبُ أَنْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الثَّوْبِ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَنْكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ، وَقَالَ: إِنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِيمَا كَانَ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ جَلِيَّةٍ.

وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الصَّبْغِ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إِلَّا أَنَّهُ يُجِيزُ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا، وَيَقُولُ: إِنَّهُ يُؤْمَرُ الْغَاصِبُ بِقَلْبِ الصَّبْغِ إِنْ أَمْكَنَهُ وَإِنْ نَقَصَ الثَّوْبُ، وَيَضْمَنُ لِلْمَغْصُوبِ مِقْدَارَ النُّقْصَانِ، وَأُصُولُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَسْتَحِلَّ مَال الْغَاصِبُ مِنْ أَجْلِ غَصْبِهِ، وَسَوَاءٌ أكَانَ مَنْفَعَةً أَوْ عَيْنًا، إِلَّا أَنْ يَحْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» لَكِنَّ هَذَا مُجْمَلٌ، وَمَفْهُومُهُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْفَعَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ بَيْنَ مَالِهِ وَبَيْنَ الشَّيْءِ الَّذِي غَصَبَهُ (أَعْنِي: مَالَهُ الْمُتَعَلِّقَ بِالْمَغْصُوبِ) ، فَهَذَا هُوَ حُكْمُ الْوَاجِبِ فِي عَيْنِ الْمَغْصُوبِ تَغَيَّرَ أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ.

وَأَمَّا حُكْمُ غَلَّتِهِ، فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ حُكْمَ الْغَلَّةِ حُكْمُ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ حُكْمَهُمَا بِخِلَافِ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ.

فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا حُكْمُ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ - وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ - يَقُولُ: إِنَّمَا تَلْزَمُهُ الْغَلَّةُ يَوْمَ قَبْضِهَا أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا انْتَهَتْ إِلَيْهِ بِقِيمَتِهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ يَلْزَمُهُ أَرْفَعُ الْقِيَمِ مِنْ يَوْمِ غَصْبِهَا لَا قِيمَةُ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ يَوْمَ الْغَصْبِ.

وَأَمَّا الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ حُكْمَ الْغَلَّةِ بِخِلَافِ حُكْمِ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ، فَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهَا إِنْ تَلِفَتْ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ، وَأَنَّهُ إِنِ ادَّعَى تَلَفَهَا لَمْ يُصَدَّقْ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يغلبُ عَلَيْهِ.

وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ فِي حُكْمِ الْغَلَّةِ هُوَ أَنَّ الْغِلَالَ تَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

١ - أَحَدُهَا: غَلَّةٌ مُتَوَلِّدَةٌ عَنِ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ عَلَى نَوْعِهِ وَخِلْقَتِهِ وَهُوَ الْوَلَدُ.

٢ - وَغَلَّةٌ مُتَوَلِّدَةٌ عَنِ الشَّيْءِ لَا عَلَى صُورَتِهِ، وَهُوَ مِثْلُ الثَّمَرِ وَلَبَنِ الْمَاشِيَةِ وَجُبْنِهَا وَصُوفِهَا.

٣ - وَغِلَالٌ غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ بَلْ هِيَ مَنَافِعُ، وَهِيَ الْأَكْرِيَةُ وَالْخَرَاجَاتُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

فَأَمَّا مَا كَانَ عَلَى خِلْقَتِهِ وَصُورَتِهِ فَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ أَنَّ الْغَاصِبَ يَرُدُّهُ كَالْوَلَدِ مَعَ الْأُمِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>