الْمَغْصُوبَةِ وَإِنْ كَانَ وَلَدَ الْغَاصِبِ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ إِذَا مَاتَتِ الْأُمُّ، فَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَلَدِ وَقِيمَةِ الْأُمِّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَلْ يَرُدُّ الْوَلَدَ وَقِيمَةَ الْأُمِّ وَهُوَ الْقِيَاسُ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مُتَوَلِّدًا عَلَى غَيْرِ خِلْقَةِ الْأَصْلِ وَصُورَتِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ لِلْغَاصِبِ ذَلِكَ الْمُتَوَلِّدَ.
وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ مَعَ الشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ إِنْ كَانَ قَائِمًا أَوْ قِيمَتُهَا إِنِ ادَّعَى تَلَفَهَا وَلَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ قَوْلِهِ، فَإِنْ تَلِفَ الشَّيْءُ الْمَغْصُوبُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْغَلَّةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ وبِالْغَلَّةِ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنَ الْقِيمَةِ.
وَأَمَّا مَا كَانَ غَيْرَ مُتَوَلِّدٍ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ أَيْضًا.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الرَّدُّ إِنْ أَكْرَى، وَلَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ إِنِ انْتَفَعَ أَوْ عَطَّلَ.
وَالرَّابِعُ: يَلْزَمُهُ إِنْ أَكْرَى أَوِ انْتَفَعَ، وَلَا يَلْزَمُهُ إِنْ عَطَّلَ.
وَالْخَامِسُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَالْأُصُولِ (أَعْنِي أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَةَ مَنَافِعِ الْأُصُولِ، وَلَا يَرُدُّ قِيمَةَ مَنَافِعِ الْحَيَوَانِ) .
وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا اغْتُلَّ مِنَ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ مَعَ عَيْنِهَا وَقِيَامِهَا. وَأَمَّا مَا اغْتُلَّ مِنْهَا بِتَصْرِيفِهَا وَتَحْوِيلِ عَيْنِهَا، كَالدَّنَانِيرِ فَيَغْتَصِبُهَا فَيَتَّجِرُ بِهَا فَيَرْبَحُ، فَالْغَلَّةُ لَهُ قَوْلًا وَاحِدًا فِي الْمَذْهَبِ، وَقَالَ قَوْمٌ: الرِّبْحُ لِلْمَغْصُوبِ.
وَهَذَا أَيْضًا إِذَا قَصَدَ غَصْبَ الْأَصْلِ. وَأَمَّا إِذَا قَصَدَ غَصْبَ الْغَلَّةِ دُونَ الْأَصْلِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْغَلَّةِ بِإِطْلَاقٍ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ عَطَّلَ أَوِ انْتَفَعَ أَوْ أَكْرَى، كَانَ مِمَّا يُزَالُ بِهِ أَوْ بِمَا لَا يُزَالُ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّهُ مَنْ تَعَدَّى عَلَى دَابَّةِ رَجُلٍ فَرَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ فِي رُكُوبِهِ إِيَّاهَا وَلَا فِي حَمْلِهِ ; لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لَهَا إِنْ تَلِفَتْ فِي تَعَدِّيهِ، وَهَذَا قَوْلُهُ فِي كُلِّ مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ; فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ قَدْ ضَمَّنَهُ بِالتَّعَدِّي وَصَارَ فِي ذِمَّتِهِ جَازَتْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ كَمَا تَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ فِيمَا تَجِرَ بِهِ مِنَ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ، وَإِنْ كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الَّذِي اتجرَ بِهِ تَحَوَّلَتْ عَيْنُهُ، وَهَذَا لَمْ تَتَحَوَّلْ عَيْنُهُ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي هَلْ يَرُدُّ الْغَاصِبُ الْغَلَّةَ أَوْ لَا يَرُدُّهَا اخْتِلَافُهُمْ فِي تَعْمِيمِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ