وَمَنِ اسْتَثْنَى الْأَبَوَيْنِ احْتَجَّ بِحَدِيثِ طَاوُسٍ أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إِلَّا الْوَالِدُ» ، وَقَاسَ الْأُمَّ عَلَى الْوَالِدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوِ اتَّصَلَ حَدِيثُ طَاوُسٍ لَقُلْتُ بِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: قَدِ اتَّصَلَ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، وَهُوَ ثِقَةٌ.
وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ الِاعْتِصَارَ إِلَّا لِذَوِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمَةِ، فَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ أَوْ عَلَى جِهَةِ صَدَقَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ الثَّوَابَ بِهَا فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إِذَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا. قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ وَهَبَ شَيْئًا عَنْ غَيْرِ عِوَضٍ أَنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ كَمَا لَوْ وَعَدَ، إِلَّا مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنَ الْهِبَةِ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ.
وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ فَمَاتَ الِابْنُ بَعْدَ أَنْ حَازَهَا فَإِنَّهُ يَرِثُهَا. وَفِي مُرْسَلَاتِ مَالِكٍ «أَنَّ رَجُلًا أَنْصَارِيًّا مِنَ الْخَزْرَجِ تَصَدَّقَ عَلَى أَبَوَيْهِ بِصَدَقَةٍ فَهَلَكَا فَوَرِثَ ابْنُهُمَا الْمَالَ وَهُوَ نَخْلٌ، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ: " قَدْ أُجِرْتَ فِي صَدَقَتِكَ وَخُذْهَا بِمِيرَاثِكَ» وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ امْرَأَةٍ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: «كُنْتُ قَدْ تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِوَلِيدَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ وَتَرَكَتْ تِلْكَ الْوَلِيدَةَ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَجَعَتْ إِلَيْكِ بِالْمِيرَاثِ» .
وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: لَا يَجُوزُ الِاعْتِصَارُ لِأَحَدٍ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ: «لَا تَشْتَرِهِ، فِي الْفَرَسِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَالرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ لَيْسَ مِنْ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ، وَالشَّارِعُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إِنَّمَا بُعِثَ لِيُتَمِّمَ مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ. وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ فِي هَذَا الْبَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute