للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْخِيَارُ الثَّانِي أَنْ يُقَوِّمَهُ عَلَيْهِ الشَّرِيكُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يُدَبِّرْ ثَلَاثَ خِيَارَاتٍ: إِنْ شَاءَ اسْتَمْسَكَ بِحِصَّتِهِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي قِيمَةِ الْحِصَّةِ الَّتِي لَهُ فِيهِ وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا عَلَى شَرِيكِهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اسْتَسْعَى الْعَبْدَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ التَّدْبِيرُ وَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، وَيَبْقَى الْعَبْدُ الْمُدَبَّرُ نِصْفُهُ أَوْ ثُلُثُهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَإِذَا مَاتَ مُدَبِّرُهُ عُتِقَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجُزْءُ وَلَمْ يُقَوَّمِ الْجُزْءُ الْبَاقِي مِنْهُ عَلَى السَّيِّدِ عَلَى مَا يُفْعَلُ فِي سُنَّةِ الْعِتْقِ ; لِأَنَّ الْمَالَ قَدْ صَارَ لِغَيْرِهِ وَهُمُ الْوَرَثَةُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ مِنَ الْأَحْكَامِ لَا مِنَ الْأَرْكَانِ (أَعْنِي: أَحْكَامَ الْمُدَبَّرِ) ، فَلْتَثْبُتْ فِي الْأَحْكَامِ.

وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِهِ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا تَامَّ الْمِلْكِ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا، وَإِنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِمَّنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ ; لِأَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ يُبْطِلُ التَّدْبِيرَ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَدْبِيرِ السَّفِيهِ. فَهَذِهِ هِيَ أَرْكَانُ هَذَا الْبَابِ.

وَأَمَّا أَحْكَامُهُ فَأُصُولُهَا رَاجِعَةٌ إِلَى أَجْنَاسٍ خَمْسَةٍ: أَحَدُهَا: مِمَّاذَا يَخْرُجُ الْمُدَبَّرُ، هَلْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوِ الثُّلُثِ؟

وَالثَّانِي: مَا يَبْقَى فِيهِ مِنْ أَحْكَامِ الرِّقِّ مِمَّا لَيْسَ يَبْقَى فِيهِ (أَعْنِي: مَا دَامَ مُدَبَّرًا) .

وَالثَّالِثُ: مَا يَتْبَعُهُ فِي الْحُرِّيَّةِ مِمَّا لَيْسَ يَتْبَعُهُ.

وَالرَّابِعُ: مُبْطِلَاتُ التَّدْبِيرِ الطَّارِئَةُ عَلَيْهِ.

وَالْخَامِسُ: فِي أَحْكَامِ تَبْعِيضِ التَّدْبِيرِ.

الْجِنْسُ الْأَوَّلُ فَأَمَّا مِمَّاذَا يُخْرَجُ الْمُدَبَّرُ إِذَا مَاتَ الْمُدَبِّرُ؟ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يُخْرَجُ مِنَ الثُّلُثِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، مُعْظَمُهُمْ أَهْلُ الظَّاهِرِ.

فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ مِنَ الثُّلُثِ شَبَّهَهُ بِالْوَصِيَّةِ ; لِأَنَّهُ حُكْمٌ يَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْمُدَبَّرُ مِنَ الثُّلُثِ» إِلَّا أَنَّهُ أَثَرٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ; لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ ظَبْيَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَلِيُّ بْنُ ظَبْيَانَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ.

وَمَنْ رَآهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ شَبَّهَهُ بِالشَّيْءِ يُخْرِجُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَالِهِ فِي حَيَاتِهِ فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ.

وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ مِنَ الثُّلُثِ فِي فُرُوعٍ، وَهُوَ إِذَا دَبَّرَ الرَّجُلُ غُلَامًا لَهُ فِي صِحَّتِهِ، وَأَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ عَنْهُ غُلَامًا آخَرَ فَضَاقَ الثُّلُثُ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ مَالِكٌ: يُقَدَّمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>