الْمُدَبَّرُ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الصِّحَّةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقَدَّمُ الْمُعْتَقُ الْمُبَتَّلُ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ رَدُّهُ، وَمِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ رَدُّ التَّدْبِيرِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ أَحَقُّ بِكِتَابِ الْوَصَايَا.
وَأَمَّا الْجِنْسُ الثَّانِي فَأَشْهَرُ مَسْأَلَةٍ فِيهِ هِيَ: هَلْ لِلْمُدَبِّرِ أَنْ يَبِيعَ الْمُدَبَّرَ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ: لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَبِيعَ مُدَبَّرَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ، وَأَبُو ثَوْرٍ: لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيَبِيعَ مُدَبَّرَهُ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا يُبَاعُ إِلَّا مِنْ رَجُلٍ يُرِيدُ عِتْقَهُ.
وَاخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فُرُوعٍ وَهُوَ إِذَا بِيعَ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي، فَقَالَ مَالِكٌ: يَنْفُذُ الْعِتْقُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ: الْبَيْعُ مَفْسُوخٌ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَمْ يُعْتِقْهُ وَهُوَ أَقْيَسُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عِبَادَةً.
فَعُمْدَةُ مَنْ أَجَازَ بَيْعَهُ مَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ مُدَبَّرًا» وَرُبَّمَا شَبَّهُوهُ بِالْوَصِيَّةِ. وَأَمَّا عُمْدَةُ الْمَالِكِيَّةِ فَعُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] لِأَنَّهُ عِتْقٌ إِلَى أَجَلٍ فَأَشْبَهَ أُمَّ الْوَلَدِ أَوْ أَشْبَهَ الْعِتْقَ الْمُطْلَقَ.
فَكَانَ سَبَبُ الِاخْتِلَافِ هَاهُنَا مُعَارَضَةَ الْقِيَاسِ لِلنَّصِّ، أَوِ الْعُمُومِ لِلْخُصُوصِ.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْمُدَبَّرَ أَحْكَامُهُ فِي حُدُودِهِ وَطَلَاقِهِ وَشَهَادَاتِهِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ أَحْكَامُ الْعَبِيدِ.
وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي جَوَازِ وَطْءِ الْمُدَبَّرَةِ، فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ وَطْئِهَا، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مَنْعُ ذَلِكَ، وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا قَبْلَ التَّدْبِيرِ.
وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ تَشْبِيهُهَا بِأُمِّ الْوَلَدِ، وَمَنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ شَبَّهَهَا بِالْمُعْتَقَةِ إِلَى أَجَلٍ، وَمَنْ مَنَعَ وَطْءَ الْمُعْتَقَةِ إِلَى أَجَلٍ شَبَّهَهَا بِالْمَنْكُوحَةِ إِلَى أَجَلٍ، وَهِيَ الْمُتْعَةُ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لِلسَّيِّدِ فِي الْمُدَبَّرِ الْخِدْمَةَ، وَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَنْتَزِعَ مَالَهُ مِنْهُ مَتَى شَاءَ كَالْحَالِ فِي الْعَبْدِ، قَالَ مَالِكٌ: إِلَّا أَنْ يَمْرَضَ مَرَضًا مَخُوفًا فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ.
الْجِنْسُ الثَّالِثُ فَأَمَّا مَا يَتْبَعُهُ فِي التَّدْبِيرِ مِمَّا لَا يَتْبَعُهُ، فَإِنَّ مِنْ مَسَائِلِهِمُ الْمَشْهُورَةَ فِي هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ الَّذِينَ تَلِدُهُمْ بَعْدَ تَدْبِيرِ سَيِّدِهَا مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: وَلَدُهَا بَعْدَ تَدْبِيرِهَا بِمَنْزِلَتِهَا يُعْتَقُونَ بِعِتْقِهَا وَيَرِقُّونَ بِرِقِّهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْمُخْتَارِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ: إِنَّهُمْ لَا يُعْتَقُونَ بِعِتْقِهَا. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا فِي حَيَاتِهِ أَنَّهُمْ يُعْتَقُونَ بِعِتْقِهَا.