الْقَوْلُ فِي الْمَجْرُوحِ وَأَمَّا الْمَجْرُوحُ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ دَمُهُ مُكَافِئًا لِدَمِ الْجَارِحِ وَالَّذِي يُؤَثِّرُ فِي التَّكَافُؤِ الْعُبُودِيَّةُ وَالْكُفْرُ. أَمَّا الْعَبْدُ وَالْحُرُّ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِ الْقِصَاصِ بَيْنَهُمَا فِي الْجُرْحِ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي النَّفْسِ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنَ الْحُرِّ لِلْعَبْدِ، وَيُقْتَصُّ لِلْحُرِّ مِنَ الْعَبْدِ كَالْحَالِ فِي النَّفْسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّهُ يُقْتَصُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْجُرْحِ وَالنَّفْسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ، فَقَالَ: يُقْتَصُّ مِنَ الْأَعْلَى لِلْأَدْنَى فِي النَّفْسِ وَالْجُرْحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُقْتَصُّ مِنَ النَّفْسِ دُونَ الْجُرْحِ، وَعَنْ مَالِكٍ الرِّوَايَتَانِ.
وَالصَّوَابُ كَمَا يُقْتَصُّ مِنَ النَّفْسِ أَنْ يُقْتَصَّ مِنَ الْجُرْحِ، فَهَذِهِ هِيَ حَالُ الْعَبِيدِ مَعَ الْأَحْرَارِ.
وَأَمَّا حَالُ الْعَبِيدِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ، فَإِنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِيهِمْ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْقِصَاصَ بَيْنَهُمْ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَهُمْ لَا فِي النَّفْسِ وَلَا فِي الْجَرْحِ، وَأَنَّهُمْ كَالْبَهَائِمِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنُ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَجَمَاعَةٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْقِصَاصَ بَيْنَهُمْ فِي النَّفْسِ دُونَ مَا دُونَهَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: ١٧٨] .
وَعُمْدَةُ الْحَنَفِيَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «أَنَّ عَبْدًا لِقَوْمٍ فُقَرَاءَ قَطَعَ أُذُنَ عَبْدٍ لِقَوْمٍ أَغْنِيَاءَ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقْتَصَّ مِنْهُ» فَهَذَا هُوَ حُكْمُ النَّفْسِ.
الْقَوْلُ فِي الْجَرْحِ وَأَمَّا الْجَرْحُ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ (أَعْنِي: الْجَرْحَ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ) ، وَالْجَرْحُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ يُتْلِفُ جَارِحَةً مِنْ جَوَارِحِ الْمَجْرُوحِ أَوْ لَا يُتْلِفُ:
فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُتْلِفُ جَارِحَةً فَالْعَمْدُ فِيهِ هُوَ أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ بِمَا يَجْرَحُ غَالِبًا.
وَأَمَّا إِنْ جَرَحَهُ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ أَوِ اللَّعِبِ بِمَا لَا يُجْرَحُ بِهِ غَالِبًا أَوْ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي يَقَعُ فِي الْقَتْلِ الَّذِي يَتَوَلَّدُ عَنِ الضَّرْبِ فِي اللَّعِبِ وَالْأَدَبِ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ الْآلَةَ حَتَّى يَقُولَ: إِنَّ الْقَاتِلَ بِالْمُثَقَّلِ لَا يُقْتَلُ وَهُوَ شُذُوذٌ مِنْهُ (أَعْنِي: بِالْخِلَافِ هَلْ فِيهِ الْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ إِنْ كَانَ الْجُرْحُ مِمَّا فِيهِ الدِّيَةُ) .