للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْجُرْحُ قَدْ أَتْلَفَ جَارِحَةً مِنْ جَوَارِحِ الْمَجْرُوحِ، فَمِنْ شَرْطِ الْقِصَاصَ فِيهِ الْعَمْدُ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ، وَفِي تَمْيِيزِ الْعَمْدِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ الْعَمْدِ خِلَافٌ.

أَمَّا إِذَا ضَرَبَهُ عَلَى الْعُضْوِ نَفْسِهِ فَقَطَعَهُ وَضَرَبَهُ بِآلَةٍ تَقْطَعُ الْعُضْوَ غَالِبًا، أَوْ ضَرَبَهُ عَلَى وَجْهِ النَّائِرَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ الْقِصَاصَ.

وَأَمَّا إِنْ ضَرَبَهُ بِلَطْمَةٍ أَوْ سَوْطٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا الظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إِتْلَافَ الْعُضْوِ مِثْلَ أَنْ يَلْطِمَهُ فَيَفْقَأَ عَيْنَهُ، فَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ وَلَا قِصَاصَ فِيهِ، وَفِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْعِرَاقِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ عَمْدٌ وَفِيهِ الْقِصَاصُ إِلَّا فِي الْأَبِ مَعَ ابْنِهِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ إِنَّمَا هُوَ فِي النَّفْسِ لَا فِي الْجَرْحِ.

وَأَمَّا إِنْ جَرَحَهُ فَأَتْلَفَ عُضْوًا عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ الْقِصَاصِ، وَالثَّانِي نَفْيُهُ. وَمَا يَجِبُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ قِيلَ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ، وَقِيلَ دِيَةُ الْخَطَأِ (أَعْنِي: فِيمَا فِيهِ دِيَةٌ) ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ فَفِيهِ الْخِلَافُ.

وَأَمَّا مَا يَجِبُ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ إِذَا وَقَعَتْ عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَهُوَ الْقِصَاصُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: ٤٥] وَذَلِكَ فِيمَا أَمْكَنَ الْقِصَاصُ فِيهِ مِنْهَا، وَفِيمَا وُجِدَ مِنْهُ مَحَلُّ الْقِصَاصِ وَلَمْ يُخْشَ مِنْهُ تَلَفُ النَّفْسِ.

وَإِنَّمَا صَارُوا لِهَذَا لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفَعَ الْقَوَدَ فِي الْمَأْمُومَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْجَائِفَةِ» ، فَرَأَى مَالِكٌ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ أَنَّ هَذَا حُكْمُ مَا كَانَ فِي مَعْنَى هَذِهِ مِنَ الْجِرَاحِ الَّتِي هِيَ مَتَالِفُ، مِثْلُ كَسْرِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ وَالصُّلْبِ وَالصَّدْرِ وَالْفَخِذِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُنَقِّلَةِ، فَمَرَّةً قَالَ: بِالْقِصَاصِ، وَمَرَّةً قَالَ بِالدِّيَةِ.

وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَ مَالِكٍ فِيمَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّسَاوِي فِي الْقِصَاصِ مِثْلُ الِاقْتِصَاصِ مِنْ ذَهَابِ بَعْضِ النَّظَرِ أَوْ بَعْضِ السَّمْعِ، وَيَمْنَعُ الْقِصَاصَ أَيْضًا عِنْدَ مَالِكٍ عَدَمُ الْمِثْلِ مِثْلَ أَنْ يَفْقَأَ أَعْمَى عَيْنَ بَصِيرٍ.

وَاخْتَلَفَ مِنْ هَذَا فِي الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ عَمْدًا، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنْ أَحَبَّ الصَّحِيحُ أَنْ يَسْتَقِيدَ مِنْهُ فَلَهُ الْقَوَدُ، وَاخْتَلَفُوا إِذَا عَفَا عَنِ الْقَوَدِ، فَقَالَ قَوْمٌ: إِنْ أَحَبَّ فَلَهُ الدِّيَةُ كَامِلَةً أَلْفُ دِينَارٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ إِلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ أَيْضًا مَنْقُولٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>