للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَرِيقُهُ التَّوْقِيفُ. فَمَا لَمْ يَثْبُتْ مِنْ قِبَلِ السَّمَاعِ فِيهِ دِيَةٌ فَالْأَصْلُ أَنَّ فِيهِ حُكُومَةً، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحَوَاجِبَ لَيْسَتْ أَعْضَاءً لَهَا مَنْفَعَةٌ وَلَا فِعْلٌ بَيِّنٌ، أَعْنِي: ضَرُورِيًّا فِي الْخِلْقَةِ.

وَأَمَّا الْأَجْفَانُ فَقِيلَ: فِي كُلِّ جَفْنٍ مِنْهَا رُبُعُ الدِّيَةِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ لِلْعَيْنِ دُونَ الْأَجْفَانِ. وَفِي الْجَفْنَيْنِ الْأَسْفَلَيْنِ عِنْدَ غَيْرِهِمَا الثُّلُثُ وَفِي الْأَعْلَيَيْنِ الثُّلُثَانِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أُصِيبَ مِنْ أَطْرَافِهِ أَكْثَرُ مِنْ دِيَتِهِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، مِثْلَ أَنْ تُصَابَ عَيْنَاهُ وَأَنْفُهُ فَلَهُ دِيَتَانِ.

وَأَمَّا الْأُنْثَيَانِ فَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ فِيهِمَا الدِّيَةَ، وَقَالَ جَمِيعُهُمْ: إِنَّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الدِّيَةِ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْبَيْضَةِ الْيُسْرَى ثُلُثَا الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ مِنْهَا، وَفِي الْيُمْنَى ثُلُثُ الدِّيَةِ. فَهَذِهِ مَسَائِلُ الْأَعْضَاءِ الْمُزْدَوِجَةِ.

وَأَمَّا الْمُفْرَدَةُ فَإِنَّ جُمْهُورَهُمْ عَلَى أَنَّ فِي اللِّسَانِ خَطَأً الدِّيَةُ، وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَلِكَ إِذَا قُطِعَ كُلُّهُ أَوْ قُطِعَ مِنْهُ مَا يَمْنَعُ الْكَلَامَ. فَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ مِنْهُ مَا مَنَعَ الْكَلَامَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِصَاصِ فِيهِ عَمْدًا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرَ فِيهِ قِصَاصًا، وَأَوْجَبَ الدِّيَةَ، وَهُمْ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْكُوفِيُّ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ يَرَى الدِّيَةَ فِي مَالِ الْجَانِي، وَالْكُوفِيُّ وَمَالِكٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَقَالَ اللَّيْثُ وَغَيْرُهُ: فِي اللِّسَانِ عَمْدًا الْقِصَاصُ.

وَأَمَّا الْأَنْفُ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا أُوعِبَ جَدْعًا عَلَى أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ، وَسَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ ذَهَبَ الشَّمُّ أَوْ لَمْ يَذْهَبْ. وَعِنْدَهُ أَنَّهُ إِذَا ذَهَبَ أَحَدُهُمَا فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَفِي ذَهَابِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْآخَرِ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ.

وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ فِي الذَّكَرِ الصَّحِيحِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْوَطْءُ الدِّيَةُ كَامِلَةً. وَاخْتَلَفُوا فِي ذَكَرِ الْعِنِّينِ وَالْخَصِيِّ، كَمَا اخْتَلَفُوا فِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ فِيهَا الدِّيَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ فِيهَا حُكُومَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ فِيهِ حُكُومَةً. وَأَقَلُّ مَا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ عِنْدَ مَالِكِ قَطْعُ الْحَشَفَةِ، ثُمَّ فِي بَاقِي الذَّكَرِ حُكُومَةٌ.

وَأَمَّا عَيْنُ الْأَعْوَرِ فَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ كَامِلَةً، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ، وَقَضَى بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ: فِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ كَمَا فِي عَيْنِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ.

وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ لِلْأَعْوَرِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنَيْنِ جَمِيعًا لِغَيْرِ الْأَعْوَرِ، وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، أَعْنِي عُمُومَ قَوْلِهِ: «وَفِي الْعَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ» ، وَقِيَاسًا أَيْضًا عَلَى إِجْمَاعِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنْ قَطَعَ يَدَ مَنْ لَهُ يَدٌ وَاحِدَةٌ إِلَّا نِصْفَ الدِّيَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>