للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي هَذَا مُعَارَضَةُ الْعُمُومِ لِلْقِيَاسِ، وَمُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ لِلْقِيَاسِ. وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِيمَنْ ضَرَبَ عَيْنَ رَجُلٍ، فَأَذْهَبَ بَعْضَ بَصَرِهَا - مَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَمَرَ بِالَّذِي أُصِيبَ بَصَرُهُ بِأَنْ عُصِبَتْ عَيْنُهُ الصَّحِيحَةُ. وَأَعْطَى رَجُلًا بَيْضَةً، فَانْطَلَقَ بِهَا، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا حَتَّى لَمْ يُبْصِرْهَا، فَخَطَّ أَوَّلَ ذَلِكَ خَطًّا فِي الْأَرْضِ. ثُمَّ أَمَرَ بِعَيْنِهِ الْمُصَابَةِ فَعُصِبَتْ وَفُتِحَتِ الصَّحِيحَةُ. وَأَعْطَى رَجُلًا الْبَيْضَةَ بِعَيْنِهَا، فَانْطَلَقَ بِهَا وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا حَتَّى خَفِيَتْ عَنْهُ. فَخَطَّ أَيْضًا عِنْدَ أَوَّلِ مَا خَفِيَتْ عَنْهُ فِي الْأَرْضِ خَطًّا، ثُمَّ عَلَّمَ مَا بَيْنَ الْخَطَّيْنِ مِنَ الْمَسَافَةِ، وَعَلَّمَ مِقْدَارَ ذَلِكَ مِنْ مُنْتَهَى رُؤْيَةِ الْعَيْنِ الصَّحِيحَةِ، فَأَعْطَاهُ قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الدِّيَةِ.

وَيَخْتَبِرُ صِدْقَهُ فِي مَسَافَةِ إِدْرَاكِ الْعَيْنِ الْعَلِيلَةِ وَالصَّحِيحَةِ بِأَنْ يَخْتَبِرَ ذَلِكَ مِنْهُ مِرَارًا شَتَّى فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ، فَإِنْ خَرَجَتْ مَسَافَةُ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي ذَكَرَ وَاحِدَةً عَلِمْنَا أَنَّهُ صَادِقٌ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ الشَّكْلِ الَّتِي ذَهَبَ بَصَرُهَا، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: فِيهَا حُكُومَةٌ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: فِيهَا عُشْرُ الدِّيَةِ مِائَةُ دِينَارٍ. وَحَمَلَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْ زَيْدٍ تَقْوِيمًا لَا تَفْوِيتًا. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَضَيَا فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ الشَّكْلِ وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الدِّيَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: تَتِمُّ دِيَةُ السِّنِّ بِاسْوِدَادِهَا، ثُمَّ فِي قَلْعِهَا بَعْدَ اسْوِدَادِهَا دِيَةٌ.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ عَمْدًا، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنْ لَمْ يَعْفُ فَلَهُ الْقَوَدُ، وَإِنْ عَفَا فَلَهُ الدِّيَةُ؛ قَالَ قَوْمٌ: كَامِلَةٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: نِصْفُهَا. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَبِكِلَا الْقَوْلَيْنِ قَالَ مَالِكٌ. وَبِالدِّيَةِ كَامِلَةً قَالَ الْمُغِيرَةُ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَابْنُ دِينَارٍ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: لَيْسَ لِلصَّحِيحِ الَّذِي فُقِئَتْ عَيْنُهُ إِلَّا الْقَوَدُ، أَوْ مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ.

وَعُمْدَةُ مَنْ رَأَى جَمِيعَ الدِّيَةِ عَلَيْهِ إِذَا عَفَا عَنِ الْقَوَدِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةُ مَا تَرَكَ لَهُ وَهِيَ الْعَيْنُ الْعَوْرَاءُ، وَهِيَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَمَذْهَبُ عُمَرُ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ - أَنَّ عَيْنَ الْأَعْوَرِ إِذَا فُقِئَتْ وَجَبَ فِيهَا أَلْفُ دِينَارٍ؛ لِأَنَّهَا فِي حَقِّهِ فِي مَعْنَى الْعَيْنَيْنِ كِلْتَيْهِمَا إِلَّا الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ، فَإِذَا تَرَكَهَا لَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَتُهَا. وَعُمْدَةُ أُولَئِكَ الْبَقَاءُ عَلَى الْأَصْلِ، أَعْنِي: أَنَّ فِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ نِصْفَ الدِّيَةِ. وَعُمْدَةُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَمْدَ لَيْسَ فِيهِ دِيَةٌ مَحْدُودَةٌ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ ذُكِرَتْ فِي بَابِ الْقَوَدِ فِي الْجِرَاحِ.

وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةُ الْفَتْوَى مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ: إِنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ، وَإِنَّ الْأَصَابِعَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنَّ فِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ ثُلُثَ الْعَشْرِ إِلَّا مَالَهُ مِنَ الْأَصَابِعِ أُنْمُلَتَانِ كَالْإِبْهَامِ، فَفِي أُنْمُلَتِهِ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>