قَاطِعَ طَرِيقٍ شَاهِرًا لِلسِّلَاحِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مُخِيفًا لِلسَّبِيلِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُحَارِبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي حَدِّ الْمُحَارِبِ.
وَأَمَّا السَّارِقُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ السَّرِقَةِ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا، إِلَّا مَا رُوِيَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مِنَ الْخِلَافِ فِي قَطْعِ يَدِ الْعَبْدِ الْآبِقِ إِذَا سَرَقَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُثْمَانَ، وَمَرْوَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ بَعْدَ الْعَصْرِ الْمُتَقَدِّمِ.
فَمَنْ رَأَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ يَنْعَقِدُ بَعْدَ وُجُودِ الْخِلَافِ فِي الْعَصْرِ الْمُتَقَدِّمِ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَهُ قَطْعِيَّةً، وَمَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ تَمَسَّكَ بِعُمُومِ الْأَمْرِ بِالْقَطْعِ، وَلَا عِبْرَةَ لِمَنْ لَمْ يَرَ الْقَطْعَ عَلَى الْعَبْدِ الْآبِقِ إِلَّا تَشْبِيهَهُ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْهُ بِسُقُوطِ شَطْرِهِ، أَعْنِي: الْحُدُودُ تَنْشَطِرُ فِي حَقِّ الْعَبِيدِ، وَهُوَ تَشْبِيهٌ ضَعِيفٌ.
وَأَمَّا الْمَسْرُوقُ فَإِنَّ لَهُ شَرَائِطَ مُخْتَلَفًا فِيهَا. فَمِنْ أَشْهَرِهَا اشْتِرَاطُ النِّصَابِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى اشْتِرَاطِهِ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْقَطْعُ فِي قَلِيلِ الْمَسْرُوقِ وَكَثِيرِهِ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] الْآيَةَ.
وَرُبَّمَا احْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» . وَبِهِ قَالَ الْخَوَارِجُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ.
وَالَّذِينَ قَالُوا بِاشْتِرَاطِ النِّصَابِ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ، وَهُمُ الْجُمْهُورُ - اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، إِلَّا أَنَّ الِاخْتِلَافَ الْمَشْهُورَ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي يَسْتَنِدُ إِلَى أَدِلَّةٍ ثَابِتَةٍ، وَهُوَ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَوْلُ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
وَالثَّانِي: قَوْلُ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ.
أَمَّا فُقَهَاءُ الْحِجَازِ فَأَوْجَبُوا الْقَطْعَ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنَ الْفِضَّةِ، وَرُبُعِ دِينَارٍ مِنَ الذَّهَبِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا تُقَوَّمُ بِهِ سَائِرُ الْأَشْيَاءِ الْمَسْرُوقَةِ مِمَّا عَدَّا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ: تُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ لَا بِالرُّبُعِ دِينَارٍ، أَعْنِي: إِذَا اخْتَلَفَتِ الثَّلَاثَةُ دَرَاهِمَ مَعَ الرُّبُعِ دِينَارٍ؛ لِاخْتِلَافِ الصَّرْفِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الرُّبُعُ دِينَارٍ فِي وَقْتٍ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأَصْلُ فِي تَقْوِيمِ الْأَشْيَاءِ هُوَ الرُّبُعُ دِينَارٍ، وَهُوَ الْأَصْلُ أَيْضًا لِلدَّرَاهِمِ، فَلَا يُقْطَعُ عِنْدَهُ فِي الثَّلَاثَةِ دَرَاهِمَ إِلَّا أَنْ تُسَاوِيَ رُبُعَ دِينَارٍ.
وَأَمَّا مَالِكٌ فَالدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ عِنْدَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِهِ. وَقَدْ رَوَى بَعْضُ