الْبَغْدَادِيِّينَ عَنْهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي تَقْوِيمِ الْعُرُوضِ إِلَى الْغَالِبِ فِي نُقُودِ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ؛ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ الدَّرَاهِمَ قُوِّمَتْ بِالدَّرَاهِمِ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ الدَّنَانِيرَ قُوِّمَتْ بِالرُّبُعِ دِينَارٍ. وَأَظُنُّ أَنَّ فِي الْمَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الرُّبُعَ دِينَارٍ يُقَوَّمُ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ. وَبِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي التَّقْوِيمِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُدُ. وَبِقَوْلِ مَالِكٍ الْمَشْهُورِ قَالَ أَحْمَدُ، أَعْنِي: بِالتَّقْوِيمِ بِالدَّرَاهِمِ) .
وَأَمَّا فُقَهَاءُ الْعِرَاقِ فَالنِّصَابُ الَّذِي يَجِبُ الْقَطْعُ فِيهِ هُوَ عِنْدَهُمْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لَا يَجِبُ فِي أَقَلَّ مِنْهُ. وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ، وَقَدْ قِيلَ: فِي أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: فِي دِرْهَمَيْنِ.
فَعُمْدَةُ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» . وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَوْقَفَهُ مَالِكٌ وَأَسْنَدَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إِلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» .
وَأَمَّا عُمْدَةُ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورُ، قَالُوا: وَلَكِنَّ قِيمَةَ الْمِجَنِّ هُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ. وَقَدْ خَالَفَ ابْنَ عُمَرَ فِي قِيمَةِ الْمِجَنِّ مِنَ الصَّحَابَةِ كَثِيرٌ مِمَّنْ رَأَى الْقَطْعَ فِي الْمِجَنِّ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " كَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ".
قَالُوا: وَإِذَا وُجِدَ الْخِلَافُ فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ وَجَبَ أَنْ لَا تُقْطَعَ الْيَدُ إِلَّا بِيَقِينٍ، وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ هُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ لَوْلَا حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَجَعَلَ الْأَصْلَ هُوَ الرُّبُعُ دِينَارٍ.
وَأَمَّا مَالِكٌ فَاعْتَضَدَ عِنْدَهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ بِحَدِيثِ عُثْمَانَ الَّذِي رَوَاهُ، وَهُوَ أَنَّهُ قَطَعَ فِي أُتْرُجَّةٍ قَوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ. وَالشَّافِعِيُّ يَعْتَذِرُ عَنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الصَّرْفَ كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا. وَالْقَطْعُ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَحْفَظُ لِلْأَمْوَالِ، وَالْقَطْعُ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَدْخَلُ فِي بَابِ التَّجَاوُزِ، وَالصَّفْحِ عَنْ يَسِيرِ الْمَالِ وَشَرَفِ الْعُضْوِ.
وَالْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ وَفِعْلِ عُثْمَانَ مُمْكِنٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرُ مُمْكِنٍ عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَ الْجَمْعُ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَوْلَى الْمَذَاهِبِ، فَهَذَا هُوَ أَحَدُ الشُّرُوطِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْقَطْعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute