نظير جائز في الشرع يمكن إلحاقه به، ولكن كان فيه منفعة ومصلحة، كما وقع في الصدر الأول من تدوين الدواوين، وضرب الدراهم، والعهد بالخلافة، وغير ذلك مما لم يأمر به الشرع، ولم يَنْهَ عنه، ولم يكن له نظير قبل، فإنه دعت إليه الحاجة، وسَوَّغته المصلحة، بخلاف الضرورة؛ فإن ما يجوز لأجلها لا يعتمد شيئاً من ذلك.
أما ما لم يرد فيه نص يسوِّغه، ولا تعاملت عليه الأمة، ولم يكن له نظير في الشرع يمكن إلحاقه به، وليس فيه مصلحة عملية ظاهرة، فإن الذي يظهر عندئذ عدم جوازه، جرياً على ظواهر الشرع، لأن ما يتصور فيه أنه حاجة، والحالة هذه، يكون غير منطبق على مقاصد الشرع، وقد ذكر ابن الهمام أن نفي المدرك الشرعي يكفي لنفي الحكم الشرعي.
وأما ما ورد فيه نص يمنعه بخصوصه فعدم الجواز فيه واضح، ولو ظُنت فيه
مصلحة؛ لأنها حينئذ وهم.
والفرق بين الحاجة والضرورة في الأحكام أمران:
١ - إن الضرورة تبيح المحظور سواء كان الاضطرار للفرد أو للجماعة، والحاجة لا تبيح المحظور إلا للجماعة، والحاجة إذا عمَّت كانت كالضرورة.
٢ - الحكم الثابت بالضرورة ينتهي بانتهاء الاضطرار؛ بخلاف الحكم الثابت
بالحاجة، فهي تثبت بصورة دائمة، يستفيد منها المحتاج وغيره، وهي لا تصادم النص، إنما تخالف القواعد العامة والقياس.
التطبيقات
١ - تجويز الإجارة، فإنها جوزت بالنص على خلاف القياس، للحاجة إليها؛ لأن عقد الإجارة يرد على المنافع، وهي معدومة، وتمليك المعدوم قبل وجوده يستحيل، ولا يمكن جعل العقد فيها مضافاً إلى زمن وجود المنفعة؛ لأنَّ التمليكات لا تقبل الإضافة.