فإن إتلاف المر نفسه في سفر المعصية أثر معصية مما هو فيه، قال الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) ، وهذا عام، ولعله يتوب في ثاني حال، فتمحو
التوبة عنه ما كان".
وفصل ابن خويز منداد المالكي في ذلك فأجاز الرخصة في الأكل للمضطر.
والتيمم، وعدم الرخصة في الفطر والقصر، وقال:
"فأما الأكل عند الاضطرار فالطائع والعاصي فيه سواء؛ لأن الميتة يجوز تناولها في السفر والحضر (للضرورة)
وليس بخروج الخارج إلى المعاصي يسقط عنه حكم المقيم، بل أسوأ حالة من أن يكون مقيماً، وليس كذلك الفطر والقصر؛ لأنهما رخصتان متعلقتان بالسفر، فمتى كان السفر سفر معصية لم يجز أن يقصر فيه؛ لأن هذه الرخصة تختص بالسفر، ولذلك قلنا: إنه يتيمم إذا عدم الماء في سفر المعصية؛ لأن التيمم في الحضر والسفر سواء.
وكيف يجوز منعه من أكل الميتة والتيمم لأجل معصية ارتكبها، وفي ترك الأكل تلف نفسه، وتلك أكبر المعاصي، وفي تركه التيمم إضاعة للصلاة، أيجوز أن يقال: ارتكبت معصية فارتكب أخرى؟!
أيجوز أن يقال لشارب الخمر: ازن؟! وللزاني:
اكفر، أو يقال لهما: ضيعا الصلاة" وهذا هو الذي قرره القاضي عبد الوهاب بكلام مثل هذا أو قريب منه، وهو المشهور من مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى.
وهذا ما أكده القرافي رحمه الله تعالى وحققه، مبيناً سبب الترخيص للعاصي في
أكل الميتة، دون القصر والفطر، بكون المعصية سبباً للرخصة، وكونها مصاحبة لها، فقال:
"فأما المعاصي فلا تكون أسباباً للرخص، ولذلك: العاصي بسفره لا يقصر.
ولا يفطر؛ لأن سبب هذين السفر، وهو في هذه الصورة معصية، فلا يناسبه
الرخصة، لأن ترتيب الرخص على المعصية سعي في تكثير تلك المعصية بالتوسعة على المكلف بسببها، وأما مقارنة المعاصي لأسباب الرخص فلا تمنع إجماعاً، كما يجوز