للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبطل الحنفية هذه القاعدة بالمرة، ولم يروا مسوغاً للعمل بها، واحتجوا بقوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) .

قال الجصاص رحمه الله تعالى:

"ومن امتنع عن المباح حتى مات كان قاتلاً نفسه، متلفاً لها عند جميع أهل العلم، ولا يختلف في ذلك عندهم حكم العاصي والمطيع، بل يكون امتناعه عند ذلك من الأكل زيادة على عصيانهاً، وأيد ذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى في رأي له في بعض الحالات.

وفصل المالكية، فقالوا في الصحيح: إن كانت الرخصة يبيحها السفر، بأن كانت خاصة به، كالفطر والقصر فلا يجوز للعاصي الأخذ بها، وإن كانت الرخصة ليست خاصة بالسفر كالتيمم ومسح الخف وأكل الميتة للمضطر، جاز فعلها للعاصي.

واختلف علماء المالكية، فمنهم من قال بمنع الترخص في المعصية، ومنهم من

قال بالجواز، ومنهم من فصل.

فالذين قالوا بالمنع احتجوا بنفس حجج الشافعية والحنابلة، وتحمس لهذا

القول ابن العربي رحمه الله تعالى، فقال:

"ولأجل ذلك لا يستبيح العاصي بسفره رخص السفر. ..

والصحيح أنها لا تباح بحال؛ لأن الله تعالى أباح ذلك عوناً.

والعاصي لا يحل له أن يعان، فإن أراد الأكل فليتب ويأكل، وعجباً ممن يبيح ذلك له مع التمادي على المعصية، وما أظن أحداً يقوله، فإن قاله فهو مخطئ قطعاً".

وأجاز القرطي ذلك، وعقب على ابن العربي بقوله: "والصحيح خلاف هذا،

<<  <  ج: ص:  >  >>