مما لا شك فيه أن كتاب المسالك والممالك كانت له المساهمة الكبرى في شهرة البكري. وهذا الكتاب لا يشبه أي كتاب آخر من نفس الفن رغم تداول هذا الاسم في الأدب العربي. فليس هو مجرد سرد للمسالك كما هو الشأن بالنسبة الى سميه كتاب ابن خرداذبه ولا هو مجموعة ملح وغرائب وأساطير بدون تنظيم «١» مثل كتاب البلدان لابن الفقيه ولا هو أيضا حوصلة لرحلات كاتبه مثلما هو الشأن بالنسبة الى المقدسي والاصطخري.
ولا يمكن لمسالك البكري أن يصنف في فن العجائب ولا في نوع كتب الهيئة وانما يجمع كتاب البكري كل ذلك فتتوالى فيه المسالك ووصف البلدان والشعوب والمدن وتمتزج بالملح والأساطير والاستطرادات التاريخية ويبقى انتباه القارئ دائم اليقظة.
ولا يوجد مع الأسف أي واحد من المخطوطات العشرة كاملا وحتى إذا ما أضفناها الى بعضها البعض فانها لا تسمح بالحصول على نسخة تامة وان بعض النقول التي أخذناها عن بعض المؤلفين الذين أتوا بعد البكري تهدف- كما سنبين ذلك- الى ابراز محتوى التأليف كما كانت عليه حالته الأصلية.
ويشتمل كتاب المسالك على قسمين متقاربي الحجم.
والراجح ان القسم الأول كان يحتوي مقدمة عامة أو تمهيدا يعتبر اليوم ضائعا ويستهلّ هذا القسم بمقدمة تاريخية طويلة تبدا بمبدأ الخلق وتتعرض لتاريخ الأنبياء من آدم إلى محمد (ص) .
ويتعلق الفصل الموالي بالمعتقدات الدينية وأوهام قدماء العرب يليه وصف لأهم الهياكل الدينية الموجودة أو التي وجدت عند أمم مختلفة: اليونان والرومان والفرس (معابد النار) والصقالبة والصينيون الخ ...