أن يكون هذا الشيخ قد أثر في الاتجاه الذي ستتخذه دراسة تلميذه فلقد كان العذري جغرافيا وقد يكون جلب أبا عبيدة نحو هذه الوجهة فهل من الجرأة أن يفترض أن تأليفه لكتبه الجغرافية: معجم ما استعجم وكتاب المسالك والممالك يرجع إلى هذه الفترة ويتأكد هذا الافتراض أكثر إذا ما علمنا انه انتهى من تأليف الكتاب الثاني حوالي سنة ٤٦٠/١٠٥٨ اعتمادا على الكثير من الملاحظات المتناثرة التي وردت فيه.
ولم تكن حياة البكري بالمرية مضطربة حسب الظاهر فمترجموه لا يذكرون لنا أشياء عديدة تتعلق به وتراجمه مقتضبة أشدّ الاقتضاب لا يتجاوز غالبها بضعة أسطر.
وذهب البكري سنة ٤٧٨/١٠٨٥- ١٠٨٦ الى اشبيلية موفدا من قبل محمد بن معن لدى المعتمد بن عباد عندما ذهب الى المغرب الأقصى يستنجد بعون المرابطين ضدّ التهديد النصراني «١» فهل بقي البكري باشبيلية أم رجع الى المرية. نحن مضطرّون مرة أخرى الى الافتراضات، ونجده من جديد سنة ٤٨٣/١٠٩٠- ١٠٩١ بقرطبة التي أصبحت عاصمة الأندلس بعد احتلال المرابطين لها والراجح انه قضى بها بقية حياته بين الدراسة والحياة اللاهية مع أصدقائه وبها توفي أيضا ودفن بمقبرة أم سلامة.
[تآليف البكري:]
لم يتخصص البكري في أي فرع من فروع المعرفة الانسانية شأنه في ذلك شأن جلّ العلماء المسلمين في القرون الوسطى. لقد كان تكوين الرجل المثقف في تلك الفترة يشتمل دائما على دعامة متينة من العلوم الدينية، فقه، علوم قرآنية، علم كلام، ثم يأتي الأدب واللغة والفلسفة ومواد أخرى حسب الإمكانيات والأذواق الشخصية فلا غرابة إذن ان نجد ضمن تآليف البكري مصنفات تبحث في مواضيع مختلفة.