٨٥٥ وبلغ أحمد بن طولون صاحب مصر في سنة نيّف وستّين ومائتين أنّ رجلا من الأقباط بأرض الصعيد- أعالي بلاد مصر- له ثلاثون «١» ومائة سنة ممّن عني بالعلم من لدن حداثته والإشراف على الآراء والنّحل «٢» من مذاهب المتفلسفين وغيرهم من أهل الملل، وأنّه علّامة بالممالك والملوك وذو معرفة بهيئات الأفلاك والنجوم، (وكان نقراسا على مذاهب)«٣» اليعقوبية.
فبعث ابن طولون إليه قائدا من قوّاده فحمله في «٤» النيل مكرما، وكان الشيخ قد انفرد عن الناس في بنيان قد اتّخذه سكنا «٥» وسكن في أعلاه، وقد رأى الولد الرابع عشر من (ولد ولده)«٦» .
٨٥٦ فلمّا بلغ إلى أحمد أسكنه بعض مقاصيره ومهّد له «٧» وحمل إليه لذيذ «٨» المآكل والمشارب، فأبى الشيخ أن يتوطّأ شيئا من ذلك وأن يتغذّى إلّا بما حمل مع نفسه من كعك وسويق ونحوهما «٩» ، وقال: هذه بنية قوامها ما ترون من الغذاء واللبس «١٠» ، فإن أنتم سمتموني النقلة عن العادة كان ذلك سبب انحلال «١١» البنية. ثمّ أحضره ابن طولون أهل الدراية وصرف همّته إليه وأخلى له نفسه أيّاما وليالي يسمع كلامه. فممّا سأله عنه بحيرة تنّيس ودمياط المتقدّم ذكرهما فقال: كان موضع البحيرة أرضا لم يكن أرض مثلها طيب تربة وزكاء رتع «١٢» ، وكانت جنانا متّصلة ولم تكن بمصر كورة