إلّا السّمك، ولا بدّ من شقّ أصول آذانهم لخروج النفس لأنهم يحملون على أنوفهم «١» الذّبل، وهو ظهور السّلاحف، ويجعلون «٢» في آذانهم قطنا فيه دهن «٣» يعصرون من ذلك الدهن في قعر البحر فيضيء ضياء نيّرا، ويطلون سوقهم وأيديهم بالسّواد خوفا من بلع دوابّ البحر لهم، فتنفر من السّواد، ويتصايحون صياح الكلاب في قعر البحر فينفرها أيضا، وربّما خرق الصوت البحر فيسمع، والغوص إنّما يكون من أوّل نيسان إلى آخر أيلول.
[[البحر الأخضر]]
٢٨٦ فأمّا البحر الرّومي وهو بحر الشّام ومصر والأندلس فإنّه خليج «٤» بحر أقيانس، طوله خمسة آلاف ميل، وقال السّرخسي عن الكندي: ستّة آلاف، وعرضه مختلف فيه ثمانمائة ميل وعشرة أميال، وقيل: اثنا عشر ميلا، وهو ما بين ساحل سبتة وطنجة وساحل الأندلس، وهو الموضع المعروف بالزّقاق. وسنذكر «٥» في أخبار مصر إن شاء الله القنطرة التي كانت بين هذين السّاحلين وما ركبها من ماء هذا البحر. وعلى المدّ الذي يخرج من هذا الخليج من بحر أقيانس منار النحاس الذي بناه هرقل «٦» الملك الجبّار عليه الكتابة والتماثيل مشيرة بأيديها: لا طريق ورائي ولا مسلك في ذلك البحر، ولا تجري فيه جارية ولا حيوان فيه ولا تدرك له غاية ولا يحاط بمقداره وهو بحر الظّلمات والأخضر والمحيط.