من حصون جلّيقية، انعقد سلمه «١» على أن يستقرّ ببطليوس ويتّخذها دارا، وهي إذ ذاك خالية، فبناها لنفسه ومن معه. فلمّا توطّد «٢» له الملك كتب إلى الأمير عبد الله- وقد تولّى الأمر- أن يجدّد له سجلّا على بلده وعقدا على قومه المولّدين، فأجابه إلى ذلك. ثمّ كتب إليه ألّا مسجد جامع له يعلن فيه الدعاء للأمير ولا حمّام يغتسل فيه، فهم على كثرتهم بادية وإن تحضّروا.
وسأله أن يرسل إليه فعلة يبنون له الجامع والحمّام فيلحق البلد بالحواضر، فأجابه إلى ما أراد. ولبطليوس أقاليم وحصون كثيرة.
وفي كتب الحدثان كان يقال: طليطلة الأطلال، بنيت على الهرج والقتال، إذا وادعوا الشرك، لم يقم لهم سوقة ولا ملك، على يد أهلها يظهر الفساد، ويخرج الناس من تلك البلاد. ومدينة طليطلة قاعدة القوط ودار مملكتهم، ومنها كانوا يغزون عدوّهم وإليها كان يجتمع جنودهم، وهي إحدى القواعد الأربع المتقدّم ذكرها وهي أقدمهنّ، ألفتها القياصرة مبنية، وهي أوّل الإقليم الخامس من السبعة الأقاليم الّتي هي ربع معمور الأرض، وإليها ينتهي حدّ الأندلس الأدنى ويبتدئ بعدها الذكر للأندلس الأقصى. وأوفت على نهر تاجه وبها كانت القنطرة الّتي كان يعجز الواصفون عن وصفها «٣» ، وكان خرابها في أيّام الإمام محمّد. ومن خواصّها أنّ حنطتها لا تتغيّر ولا تسوّس على مرّ السنين (يتوارثها الخلف)«٤» عن السلف، وزعفران طليطلة هو الّذي يعمّ البلاد ويتجهّز به إلى الآفاق، وكذلك الصمغ السماوي «٥» .