من هذا القسم الأخير وكما سنذكر ذلك من بعد فإنه من الممكن أن نتمم العديد من ثغرات مسالك البكري باستغلال محكم لكتاب الحميري: الروض المعطار ولكن ذلك لا يسمح لنا بترميم مرضي إذ أن صاحب الروض قد جزأ أوصاف المدن لكي يرتبها ترتيبا أبجديا أما الاطار الذي كانت تندرج فيه أي المسالك فإنه قد ضاع نهائيا اللهم إلّا إذا ما عثرنا على نسخ جديدة من كتاب البكري.
[المصادر:]
نستنتج مما سبق أن عديد المعلومات الجغرافية والتاريخية والأتنوغرافية والاقتصادية قد تراكمت في كتاب المسالك وان تلك المعلومات تتعلق بكلّ العالم المعروف لدى العرب في تلك الفترة. ان هذا الثراء لا يجب أن ينسينا عيب الكتاب الأكبر: البكري لا يحدثنا أبدا عما يشاهده بنفسه وليست له تجربة مباشرة تتعلق بالبلاد التي يصفها وذلك خلافا لأبرز سابقيه من أعلام العصر الكلاسيكي المشرقي أمثال: ابن حوقل والاصطخري والمسعودي ولا يستنتج من أي ترجمة من تراجم البكري انه غادر وطنه بل ان حياته في ذلك الوطن قد انحصرت في رقعة ضيقة بين ولبة واشبيلية وقرطبة والمرية. فلقد كان مضطرا إذن لكي يؤلف كتابه أن يراجع مصادر. نعم لقد كانت تآليف سابقة في متناوله الّا أن ما ينتج عن ذلك هو ان العالم الذي نتصوره من خلال قراءة مسالك البكري ليس عالم القرن ٥ هـ/ ١١ م بل هو عالم أسبق بقرن أو قرنين الّا إذا تعلق الأمر بمعلومات استقاها البكري مباشرة من رحالة عرفهم أو من مصادر معاصرة له على أن هذه الحالات قليلة وتنحصر في بعض التحليلات المتعلقة بالمغرب والسودان «١» . وبالنسبة إلى ما عدا ذلك فإن البكري اقتبس من مصادر مكتوبة تاريخية وجغرافية وأدبية يمكن أن يفترض أنه كان يمتلكها بصورة شخصية إذ من المعروف عنه انه كان يحب الكتب ويروى عنه انه كان يلفها في «سباني الشرب وغيرها اكراما لها»«٢» وأدّى هذا المنهج الى نتيجتين: واحدة ايجابية والثانية سلبية. أما النتيجة الايجابية فإن كتاب المسالك يشترك فيها مع الكتب الأخرى التي تعتمد النقل وتتعلق