جماعة أنّ ذلك من قبل التوحّد في القفار والتفرّد في الديار. والإنسان إذا توحّد توحّش، وإذا توحّش فكّر، وإذا فكّر وجل فداخلته الظنون الكاذبة والهموم السودانية الفاسدة، فوهّمته المحال «١» من الأصوات والأشخاص.
والعرب لا تختلف أنّ علقمة بن صفوان بن أميّة بن حجر الكندي جدّ مروان بن الحكم لأمّه قتلته الجنّ وأنّ شقّ اعترض له، فقال علقمة [رجز] :
شقّ ما لي ولك: اغمد عنّي منصلك: تقتل من لا يقتلك فقال شقّ [رجز] :
عننت أو عننت لك.. كيما أبيح مقتلك.. فاصبر لأمر حمّ لك «٢» فضرب كلّ واحد منهما صاحبه فخرّا ميّتين. وممّن قتلته الجنّ حرب ابن أميّة وربته (؟) الجنّ وقتلت مرداس بن أبي عامر والد العبّاس ابن مرداس وقتلت الغريض لشعر غنّاه كانت نهته عنه، وهذا متعارف عندهم مشهور.
٢٠٨ وقد ذكر أبو عبيدة عن منصور بن يزيد الطائي أنّ قبر حاتم طيّء حوله قدور حجارة عظيمة من بقايا قدوره التي كان يطعم فيها مكفّأة في نواحيه. وعن يمين قبره أربع جوار من حجارة وعن شماله مثلهنّ محتجرات على قبره كالنائحات لم ير مثل بياض أجسامهنّ وجمال حسنهنّ، وربّما رآهنّ الرائي فيفتتن بهنّ ويميل إليهنّ، فإذا دنا منهنّ رأى حجارة. وهم يزعمون أنّها من عمل الجنّ، فهنّ بالنهار كما وصفوه، وإذا هدأت العيون ارتفعت أصوات الجنّ بالنياحة عليه. قالوا: ونحن في منازلنا نسمع ذلك إلى طلوع الفجر.