٢١٩ وكانت أرض سبأ في بدء الزمان عامرة (تركبها السّيول)«١» وتغمّها الوحول، فجمع ملك من ملوك حمير الحكماء وأحضر البصراء وشاورهم في دفع ذلك الماء وحصره وإزالة ما كان من أمره. فأجمعوا على حفر مصارف له إلى جدار تؤدّيه إلى البحر، فحشد الملك أهل مملكته حتّى صرف الماء واتّخذ له سدّا في الموضع الذي كان فيه بدء جريان الماء من الجبل إلى الجبل، وذلك نحو فرسخ، رصفه بالبنيان والحجارة والحديد وجعل فيه ثلاثين مخراقا للماء في استدارة الذراع على أصحّ هندسة وأكمل تقدير يجتذبون «٢» منها مقدارا من الماء معلوما وشربا للأرض مقسوما.
٢٢٠ قال ابن وهب: بعث الله اثني عشر نبيّا، وكان من بعث عليه سيل العرم منهم يعبدون الشمس، فأرسل الله عزّ وجلّ إليهم رسلا يدعونهم إلى الحقّ ويزجرونهم عن الباطل ويذكّرونهم آلاء «٣» الله تعالى، فأنكروا نعمة الله وقالوا: إن كنتم صادقين فادعوا الله أن يسلبنا ذلك حتّى قالت امرأة منهم [رجز] :
إن كان ما نصبح في ظلاله ... من ربّكم فلينطلق بماله
إليه عنّا وإلى عياله
فدعت عليهم الرسل، فأرسل الله عزّ وجلّ عليهم سيل العرم بفأرة خرقت ذلك السّدّ المحكم والصخر المنضمّ ليكون أثبت في العبرة وأبين في الحجّة، وأباد الله حضرهم «٤» وأذهب أموالهم ومزّقهم كلّ ممزّق وباعد بين أسفارهم. ففي ذلك يقول الأعشى [متقارب] :